رأى مراقبون أن مشاركة أحزاب وشخصيات مرتبطة بالميليشيات المسلحة في الانتخابات العراقية المقبلة عبر واجهات مدنية تمثل تحولاً تكتيكياً، تهدف من خلاله هذه الجهات إلى كسر الصورة النمطية عنها، والتقليل من حدة الرفض الشعبي.
وكشف مصدر سياسي مطلع لـ"إرم نيوز" أن عدداً من الفصائل المسلحة بدأ فعلياً في ترتيب قوائم انتخابية تضم مرشحين بواجهات مدنية، لا سيما في المحافظات الجنوبية وبغداد، بهدف تقليل النفور الشعبي من مرشحيها التقليديين.
وأوضح المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن بعض هذه القوائم تسجل، رسمياً، كقوائم مستقلة، لكنها تحظى بدعم لوجستي ومالي من شخصيات مرتبطة مباشرة بالميليشيات، وتدار حملاتها الإعلامية عبر فرق تابعة لها.
وأشار إلى أن الهدف من ذلك هو تفكيك الانطباع السلبي لدى الناخبين دون التفريط بالنفوذ داخل البرلمان.
وأضاف أن التخطيط لهذا التكتيك بدأ، منذ منتصف العام 2024، عقب النتائج الضعيفة التي سجلتها بعض الميليشيات في استطلاعات الرأي، إلى جانب الضغوط الغربية المتزايدة التي تطالب بفصل السلاح عن العمل السياسي.
وبحسب متابعين، تكثف هذه الجماعات تحركاتها في المناطق التي شهدت تراجعًا في نفوذها الانتخابي، أو في الدوائر التي يتمتع فيها المستقلون بتأثير واضح، وذلك بهدف ضرب الأصوات المنافسة من الداخل وإرباك المزاج الشعبي عبر خيارات ظاهرها التغيير وباطنها التبعية.
وتظهر قراءات سياسية أن هذا الأسلوب لا يقتصر على تغيير الوجوه فحسب، بل يشمل أيضاً التمويل الإعلامي واللوجستي، حيث تُنشأ منصات ومؤسسات تدّعي الحياد لكنها تعمل على تلميع الشخصيات الجديدة المقربة من الميليشيات، في محاولة لتجديد الشكل دون المساس بالمضمون.
وأوضح الخبير في الشؤون الأمنية علاء النشوع أن الفصائل المدعومة من إيران تواجه استحقاقاً غير مسبوق، إذ أصبح ملفها جزءاً من المفاوضات الإيرانية الأمريكية، وفي حال وافقت طهران على الشروط المطروحة، ستُترك تلك الجماعات وحيدة في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة.
وأضاف النشوع في حديثه لـ"إرم نيوز" أن الانتخابات قد تكون مخرجاً لهذه الفصائل لإعادة التموضع، لكنها في الوقت نفسه ستدفع ثمنًا سياسيًا باهظًا، لأن الحكومة الحالية قد تستغل الظرف الدولي لإنهاء وجودها، بدعم خارجي، ورغبة داخلية في إقصائها عن المشهد.
وأشار إلى أن الديمقراطية في العراق أصبحت مكشوفة أمام الداخل والخارج، فكل الأحزاب النافذة خرجت من عباءة مؤتمرات خارجية ولم تعد تمثل إرادة الشعب، بل مصالحها الضيقة ما يجعل الحديث عن انتخابات نزيهة مرهونًا بحجم التدخلات الإقليمية والدولية.
ويعد التنافس المرتقب بين القوائم المدنية الحقيقية، وتلك المتخفية خلف الاستقلال، أحد أبرز التحديات التي ستواجه الناخب العراقي، الذي فقد ثقته بالأحزاب بعد سنوات من الخيبات والوعود المؤجلة، ما قد يؤدي إلى ما يسمّى بـ"التصويت العقابي" أو إلى موجة عزوف جديدة.
بدوره، يرى المختص في الشأن الانتخابي أحمد العبيدي أن خداع الناخب عبر شخصيات مدنية محسوبة على الميليشيات يُعد انتهاكًا صامتًا لجوهر الديمقراطية، لأنه يكرس حالة التمويه بدل المكاشفة، ويضعف فرص التمثيل الحقيقي للفئات الجديدة.
وأضاف العبيدي في حديثه لـ"إرم نيوز" أن هذا التكتيك قد ينجح على المدى القصير، لكنه لن يصمد طويلاً، خاصة مع وجود مراقبة دولية، وتصاعد الدعوات لإصلاح قانون الأحزاب، الذي لا يزال يفتقر إلى أدوات حقيقية تمنع الجمع بين السلاح والسياسة.
وحذّر من أن استمرار هذا النمط قد يؤدي إلى تشويش المشهد الانتخابي، وتحويله إلى ساحة تنافس بين واجهات متشابهة لا تعبّر عن تنوع المجتمع العراقي، بل تكرس هيمنة القوى القديمة بطرق جديدة.
ويتوقع أن تشهد الأشهر المقبلة سباقاً محموماً على إعادة التموضع السياسي في ظل خارطة متقلبة، وتحالفات متبدلة، وناخب بدأ يبحث عن خيارات تحقق طموحاته، التي، غالبًا، ما تركز على الاستقلالية، وتحقيق التنمية والإنعاش الاقتصادي، بحسب الخبراء.