الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
منذ انتهاء الحرب الإسرائيلية اللبنانية في 27 نوفمبر 2024، واسم "هيثم علي الطبطبائي" لا يكاد يغيب عن التحليلات السياسية والعسكرية والاستراتيجية الإسرائيلية التي عرّفته بأكثر من صفة عسكرية ونعتته بأكثر من عنوان، كان أهمها على الإطلاق صفة "قائد إعادة بناء ميليشيا حزب الله"، حيث اعتبرت هذه التحليلات أنه لا قيمة للغارات الإسرائيلية في لبنان دون الوصول إلى "الكنز الاستراتيجي" في "حزب الله ما بعد 2024".
وتوافقت التحليلات العسكرية الإسرائيلية – وهو ما يُعدّ استثناء في بيئة إعلامية وعلمية إسرائيلية معروفة بالاختلاف الشديد- على الأهمية الاستخباراتية والخطورة العسكرية لشخصية "أبو علي"، هيثم علي الطبطبائي في مرحلة ما بعد إزاحة الصف القيادي الأول والثاني في حزب الله.
ففي مقالته التي نشرت في موقع القناة الثانية عشر الإسرائيلية نهاية شهر أكتوبر، تحدث تامير هايمان، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، والقائد السابق أيضا للفيلق الشمالي، وهو اليوم رئيس معهد دراسات الأمن القومي، عن جهود مليشيا "حزب الله" الحثيثة لإعادة ترميم نفسها، بعد أن تلقت ضربات قاسية في مستوى البنية أو البيئة.
وفي الجزء الخاص بالاستنتاجات والمقترحات، دعا هايمان بشكل واضح إلى ضرورة إخراج طبطبائي من لبنان، واصفا إياه بـ"قائد فيلق القدس المحلي" الذي يتمركز بأمان في بيروت ويعيد بناء "حزب الله".
واعتبر هايمان والذي يعد في إسرائيل كأحد العقول الاستخباراتية والعسكرية العميقة للمنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، أن إخراج الطبطبائي من المشهد الحالي يمثل شرطا أساسيا لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية والتي تتطلب استثمارا أفضل لزخم وجود ترامب في البيت الأبيض.
كما دعا إلى تحفيز الجيش اللبناني على الاحتكاك بحزب الله، حتى وإن كان هذا الاحتكاك محدودا، فإنه سيعزز مكانة الجيش اللبنانية والحكومة اللبنانية وسلطتهما.
اسم الطبطبائي ظهر أيضا كخيط ناظم في الدّراسات والتّحاليل العسكريّة والاستخباراتية لمركز "ألما" – وهو منظمة بحثية وتعليمية إسرائيليةـ؛ إذ بالإمكان رصده في بحثين على الأقل ضمن منشورات المركز.
آخر هذه الدراسات كانت بعنوان "هل هناك فرصة تاريخية لاجتثاث القوة العسكرية لحزب الله؟"، وفي هذه الدراسة المستفيضة كان اسم "هيثم علي الطبطبائي" في قلب مهمة إعادة بناء المنظومة الصاروخية واللوجستية والبشرية للميليشيا.
وتحدثت الدّراسةُ عن الأدوار المهمة التي يلعبها "أبوعلي" في إعادة منظومة التسلحّ وتدفق الأموال على الميليشيا، وإيجاد المعادلة الصعبة بين تأهيل "حزب الله" عسكريا، وتجاوز الضغوط المحلية المفروضة، والتكيف مع الوضع الإقليمي الجديد لاسيما مع سقوط نظام الرئيس بشار الاسد، وانحسار طرق التهريب، بعد تضعضع إيران وسعي العراق إلى اعتماد سياسة النأي بالنفس عن الأوضاع الإقليمية.
كما لمحت مصادر إعلامية إسرائيلية – من بينها صحيفة يديعوت أحرونوت- إلى الخطورة الأمنية والاستخباراتية التي يكتسيها بقاء أمثال "أبو علي" في المشهد، داعية إلى الحيلولة دون استفادة "حزب الله" من حالة الاستعصاء المحلي ومسلسل الضربات الجوية العاجزة عن الوصول إلى العصب العسكري والاستراتيجي للحزب.
كل هذه المعطيات توافقت مع التقدير العسكري الإسرائيلي بأنّ "الطبطبائي" يمثل اليوم القيادي العسكري رقم1 في ميليشيا حزب الله، وهو تقدير أكده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد التأكد من نجاح عملية الاغتيال في حارة حريك بالضاحية الجنوبية.
حيث تؤكد المصادر الاستخباراتية الإسرائيلية أنّ "أبو علي" يمثل مع "علي حيدر"، آخرُ رجال الصفّ الأول وبقايا الرّعيل الأول المؤسس لميليشيا "حزب الله"، بعد أن نجحت إسرائيل في القضاء على حسن نصر الله وخليفته هاشم صفي الدين ومعظم أعضاء مجلس الشورى، ونحو 170 من كبار القادة ومراكز المعلومات من جميع وحدات حزب الله العملياتية.
كما تكشف عن وجود اختلاف سابق وعميق في وجهات النظر بين "أبو علي" و"علي حيدر" حول منصب القيادة العسكرية في الميليشيا، ويبدو أنه انتهى لصالح "الطبطبائي" قبل أن يصبح "حيدر" الآن القائد العسكري.
ولئنْ ذهبت بعض التقديرات الاستخباراتية في إسرائيل إلى أنّ "الطبطبائي" عوّض علي كركي في الجبهة الجنوبية في ميليشيا "حزب الله"، إلاّ أنّ التقديرات الأكثر موثوقية بيّنت أنّه عوّض رأس القيادة العسكرية ممثلة في فُؤاد شُكر ومن بعده إبراهيم عقيل؛ وهو ما أكدته ميليشيا حزب الله في بلاغها التعريفي والتأبيبي له، حيث عرفته بأنه "قائد المقاومة العسكرية" بعد حرب "أولي البأس"، وفق توصيفها وتسميتها لحرب 2024.
والحقيقة أنّ هيثم علي الطبطبائي، تحفّ مسيرته العسكرية الكثير من الغموض وحتى التّواري وراء "ظلال" القيادات العسكرية الكبرى، على غرار عماد مغنية وفؤاد شكر وإبراهيم عقيل، حيث من المرجح أن يكون من الشخصيات المتأخرة من الصف الأول لميليشيا حزب الله.
وفي كل الحالات، فإنّ الرجل لم يعرف اسمه على سطح الأحداث إلا عقب إدراجه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية على قائمة الإرهاب في 2016، ووضع جائزة بـ5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومة تؤدي إلى القبض عليه.
إذ تزامن هذا التاريخ مع أدوار عسكرية له في اليمن وسوريا والعراق، وفق ما كشفته مصادر استخباراتية إسرائيلية وأمريكية متطابقة.
كما تؤكد مراكز الأبحاث الإسرائيلية أنّ "الطبطبائي" أنيطت بعهدته مهمة تأسيس وتدريب "قوة الرضوان"، وإعدادها لمهام الدخول إلى الجليل شمالي إسرائيل، واحتلاله، وهي من المهام الخطيرة التي سبق لحسن نصر الله أن تحدث عنها في أكثر من تصريح تلفزيوني وخطاب سياسيّ مباشر.
في المقابل، مثلت مرحلة ما بعد حرب 2024، قفزة كبرى ونقلة نوعية في مسيرة "الطبطبائي" من حيث المهام العسكرية القيادية التي تبوأها؛ إذ شغل منصب القائد العسكري للميليشيا، وذلك بعد أن قضت إسرائيل على الصف الأول السياسي والعسكري لحزب الله، وأصابت وحدة الرضوان ووحدتي "عزيز" و"ناصر" الحدوديتين مع إسرائيل بأضرار بالغة.
ووفق تقديرات عسكرية واستخباراتية لخسائر ميليشيا "حزب الله" من حرب 2024، فإنّ عدد القتلى في صفوفها يناهز الـ5 آلاف والجرحى 10 آلاف، وكلهم باتوا فعليا خارج الخدمة، أي أنّه فقد 15 بالمائة من البنية البشرية التي كانت في حدود الـ100 ألف.
أما البنية التسليحية، ممثلة في الصواريخ، فلم يتبق للميليشيا منها إلا ما بين 20 إلى 25 ألف صاروخ، في مقابل ترسانة جملية كانت تقدر قبل الحرب بما بين 75 إلى 100 ألف صاروخ.
وسط هذا المشهد المتأزم، صعد نجم "الطبطبائي"، والذي حُددت له استراتيجية عسكرية واضحة وجديدة خماسية، وهي "الترّكيز على تصنيع السلاح داخل لبنان وفي عمق الأنفاق"، و"التركيز على السلاح الزهيد والخفيف والناجع"، و"المحافظة على ما تبقى من مسالك التهريب مع سوريا" (يوجد مسلك تهريب كل 3 كيلومترات على مدى حدود مشتركة تبلغ 375 كيلومترا)، وتأمين منظومة الأنفاق في شمال نهر الليطاني، وإعادة تأهيل "قوة الرضوان" و"ناصر" و"عزيز".
كما وجهت لـ"الطبطبائي" أوامر واضحة بأنّ الاستراتيجية الجديدة تقوم على متغيرات عديدة، من أهمها خسارة القيادة الجنوبية بعد انسحاب الميليشيا من جنوب الليطاني، وتلاشي وجودها العسكري في الجولان السوري المحتل، والتخلي عن "العقيدة الهجومية" لقوّة الرّضوان.
حيال كل ما تقدم ذكره، تؤكد مصادر إعلامية قريبة من ميليشيا "حزب الله"، أنّ بيئة العمل لم تكن مواتية ولم تكن سهلة بالنظر للإكراهات الداخلية والإقليمية والدولية، وللأوضاع المعقدة التي تعرفها الميلشيا في ظل قيادة سياسية مهتزة بدأت بعض الأصوات في الدعوة إلى إعادة إجراء انتخابات جديدة وتقديم أسماء أخرى أكثر كفاءة وحنكة وقدرة على إدارة التوازنات والمعادلات، في انتظار تثبيت معادلات جديدة للردع.
غير أنّ ميليشيا "حزب الله" يبدو أنها اقترفت أخطاء استخباراتية جديدة في مقدمتها استمرار الاختراق الاستخباراتي العميق لبنيتها القيادية العسكرية، لاسيما وأنّ الهجوم أدى إلى مقتل 4 أفراد من الميليشيا كانوا برفقة "أبو علي"، على الرغم من ادعائها بأنّ ترميم الاختراق انتهى وأن البنية الاستخباراتية واللوجستية للحزب أعيد بناؤها واستعادت عافيتها.
ومن تلك الأخطاء أيضا، التعويل على شخصيات قديمة – يدعي حزب الله أنّ- إسرائيل لا تعرفها، وعلى جيل جديد لم تختبره إسرائيل؛ الأول من خلال تقديم شخصيات قديمة دون صور فوتوغرافية (الطبطبائي تقريبا من الشخصيات القليلة التي لا توجد لها أي صورة في قاعدة البيانات الإسرائيلية والأمريكية)، والثاني التعويل على جيل الثمانينيات والتسعينيات للعمل مع القيادة، وفي الأخير قوّضت الضربة الإسرائيلية المقولة الأولى والثانية على حدّ السواء.
ومن بين أخطاء الميلشيا، رفض التوجه والانخراط في مسار التغيير الكامل والشامل للقيادة العسكرية والتخلي عن الوجوه العسكرية المعروفة التي سبق وأن رصدت في الجبهات القتالية المشتعلة على غرار سوريا والعراق واليمن، والتي باتت أوراقا محروقة لدى المنظومة العسكرية والاستخباراتية والأمنية الإسرائيلية، حيث تخشى القيادة السياسية من غضب الجيل الأول المؤسس، ومن تداعياته الخطيرة.
إزاء كل ما تقدم، يطرح الإعلام الإسرائيلي بنك الأهداف الإسرائيلية الجديدة في لبنان، بعد الانتهاء من "الطبطبائي"، ابتداء بنعيم قاسم الأمين العام لميليشيا حزب الله، مرورا بخليل حرب قائد الوحدة 133 الخاصة بعمليات لبنان وفلسطين، وليس انتهاء بمحمد حرب القائد العسكري الجديد للميليشيا بعد "الطبطبائي".
الكل في حزب الله، يتحسس رأسه، بعد أن صارت الميليشيا كتابا مفتوحا لإسرائيل، وبات الاختراق أكبر وأوسع من أية مجهودات للرتق.
يبقى السؤال الآن، هل ستدفع هذه الأوضاع الميلشيا إلى تسليم السلاح والتحول إلى حزب سياسي مدني، أم ستزيد من حالة التعنت والتقوقع والكمون، أم قد تدفعها نحو اعتماد ردود أفعال عسكرية غير محمودة العواقب وبالتالي إشعال جولة جديدة من الحرب المفتوحة؛ إذ من الواضح أنّ الفرضيات كافة قابلة للتحقق، إلا أن تبقى الحال على ما هي عليه...