بدت القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة وكأنها محاولة لاستدعاء مفهوم الأمن القومي العربي.
فالبيان الختامي الصادر حمل إشارات إلى سيادة الدول العربية باعتبارها خطاً أحمر، وإلى ضرورة التفكير بآليات جديدة تحمي هذه السيادة من تهديدات لا تعترف بالحدود ولا بالحصانات الدبلوماسية. فهل نحن أمام لحظة فارقة يمكن أن تتجاوز الطابع الرمزي نحو صياغة مسار عملي للأمن العربي–الإسلامي؟
وقالت مصادر دبلوماسية عربية لـ"إرم نيوز" إن البيان الذي صدر عن القمة اعتمد على إدانة للهجوم الإسرائيلي باعتباره انتهاكاً لسيادة دولة عربية، مع تحذير واضح من أن مثل هذه الأفعال تُهدد الأمن والاستقرار في المنطقة بأسرها.
غير أن قوة البيان كانت في اتساع دائرة الإجماع العربي عليه، حيث تم التأكيد على أن حماية السيادة تبقى قاسماً مشتركاً لا يمكن التهاون فيه.
واعتبرت المصادر أن البيان الختامي جاء بصياغة مقصودة تتسم بالتوازن، إذ حافظ على لغة الإدانة السياسية الواضحة للهجوم الإسرائيلي باعتباره خرقاً للسيادة، موضحة أن الهدف الأساسي كان توحيد الموقف حول مبدأ السيادة كأولوية مشتركة، مع إبقاء البيان في إطار يضمن صداه السياسي والدبلوماسي على المستويين العربي والدولي.
ولفتت المصادر إلى أن القمة الطارئة أعادت إحياء النقاش عن مفهوم الأمن الجماعي العربي.
وأوضحت أن البيان الختامي، يُقرأ كخطوة أولى في محاولة لإعادة الاعتبار لمبدأ السيادة العربية كقضية مشتركة وليست شأناً داخلياً منفصلاً.
وأضافت أن هذا المبدأ قد يشكّل، إذا جرى البناء عليه، مدخلاً لإعادة صياغة إطار أوسع للأمن العربي.
وأشارت المصادر إلى أن الاهتمام الخليجي بدا أكثر تركيزاً على الجانب الدفاعي، حيث أعادت القمة دفع ملف منظومة الدفاع الجوي الموحد إلى الواجهة.
ورغم أن المشروع ظل معلّقاً لعقود، ترى هذه المصادر أن اللحظة الحالية قد تمنحه زخماً سياسياً جديداً، وإن كان تنفيذه سيبقى تدريجياً وحذراً.
في حين تظهر الحاجة الملحة إلى تفعيل دور الجامعة العربية في ملف الأمن، عبر إعادة تفعيل أدوات قديمة مثل مجلس الدفاع العربي المشترك، وفق ما أفادت به المصادر.
وأشارت إلى أن بعض العواصم ترى أن هذا المجلس يمكن أن يُستعاد كإطار سياسي للتنسيق، حتى لو بقيت الآليات العسكرية محدودة.
وتابعت بالقول إن "التأكيد على السيادة العربية في هذه اللحظة يعني أن المنطقة لا تقبل بأن تُعامل حدودها كمساحة مستباحة".
هذه اللغة، برأي المصادر، تهدف إلى فرض وجود موقف عربي على طاولة أي مفاوضات دولية تخص أمن الشرق الأوسط. كما أن الهدف كان أيضاً ترسيخ موقف سياسي موحد من دون التورط في التزامات عسكرية لا يمكن الوفاء بها.
الكاتب والمحلل السياسي مهند الحاج، قال لـ"إرم نيوز" إن القمة الطارئة في جانبها الأبرز، بدت اختبارًا لإرادة النظام العربي في تجاوز اللغة الرمزية، فالتأكيد على أن الاعتداء على دولة عربية هو اعتداء على الأمن الجماعي يُراد له أن يرسّخ قاعدة جديدة في الخطاب العربي.
غير أن التحدي الأساسي يكمن في أن تحويل الخطاب إلى أداة عملية يحتاج إلى توافق أعمق، وهو ما ظل عصياً على التحقق طوال العقود الماضية، وفق تعبيره.
وأضاف: "في المشهد الخليجي، تبرز القمة كجرس إنذار لا يمكن تجاهله. فالخليج الذي طالما اعتُبر خط الدفاع الأول عن المنظومة العربية يجد نفسه مضطراً اليوم لإعادة تقييم بنيته الأمنية، ليس فقط في ضوء التهديدات التقليدية، بل أيضاً أمام التطورات النوعية في أساليب الاستهداف. يمكن اعتبار القمة لحظة سياسية قد تسرّع النقاش حول أشكال أكثر واقعية من التعاون".
واعتبر أن اللحظة الراهنة تفتح الباب أمام تحولات تدريجية في طريقة تعامل العواصم مع ملف الأمن الجماعي.
وزاد بالقول: "إذا كان من المبكر الحديث عن تحول استراتيجي، فإن مجرد عودة النقاش إلى الواجهة تكفي لتأسيس مسار جديد، شرط أن يقترن بمؤسسات متابعة وآليات سياسية لا تكتفي بالتوصيات العامة".
في حين أشار الحاج إلى خصوصية المرحلة الحالية بالقول؛ "التهديد اليوم، قد يأتي من ضربة جوية محدودة، أو من عملية سيبرانية، أو من اختراق المجال الجوي بشكل استعراضي. هذا التغيير يفرض إعادة صياغة مفهوم الردع العربي، ليس على مستوى الجيوش فحسب، بل على مستوى القدرة على صياغة مواقف سياسية ودبلوماسية تمنح العرب وزناً في معادلة الأمن الإقليمي. فغياب ردع سياسي منظم هو الذي يجعل أي طرف خارجي أكثر جرأة في اختبار حدود السيادة".
المحلل السياسي، عبد الرزاق خليل، اعتبر خلال حديثه لـ"إرم نيوز" أن التحدي الآن يتمثل في كيفية توظيف الزخم السياسي الذي أنتجه البيان الختامي ليترجم إلى مسار عملي.
"في صدارة هذا المسار يأتي ملف غزة، الذي لا يمكن فصله عن السياق العام للأمن العربي. فالدعوة إلى حماية السيادة لا تكتمل من دون مقاربة متماسكة لكيفية إنهاء النزف المستمر في القطاع وفتح الطريق أمام ترتيبات سياسية أكثر استقراراً".
وأضاف: "الدور العربي هنا يتخذ بعدين متوازيين. الأول هو دعم جهود وقف إطلاق النار بوصفه المدخل الوحيد لوقف التدهور الإنساني والسياسي. هذا يتطلب أن تتحرك العواصم العربية كمجموعة ضغط دبلوماسية على الأطراف الدولية، خصوصاً في مجلس الأمن والأمم المتحدة، لتثبيت هدنة قابلة للاستمرار. ومن شأن توحيد الموقف العربي حول هذه النقطة أن يمنح المفاوضات زخماً إضافياً، ويضع الأطراف الفاعلة أمام مسؤولياتها".
واستكمل بالقول: "أما البعد الثاني فيرتبط برعاية المفاوضات السياسية نفسها. هنا يمكن للدور العربي أن يستعيد ما فقده خلال السنوات الماضية من موقع في عملية السلام. فإذا كان العرب قد اجتمعوا على خطاب السيادة في القمة، فإن اختبار جديتهم سيكون في قدرتهم على تحويل هذا المبدأ إلى آلية تحمي الفلسطينيين من أن يبقوا مجرد ساحة لتجاذبات إقليمية ودولية. الرعاية العربية للمفاوضات لا تعني بالضرورة فرض حلول نهائية، لكنها تضمن أن تبقى السيادة الفلسطينية جزءاً من معادلة الأمن الجماعي العربي، وليس ملفاً هامشياً معزولاً".
فيما اعتبر أن الجمع بين هذين البعدين – تثبيت وقف إطلاق النار ورعاية المفاوضات – يفتح الباب أمام صياغة مقاربة عربية أكثر اتزاناً، تُوازن بين حماية السيادة كمبدأ عام، وبين معالجة ملف غزة كقضية محددة تمثل اليوم أحد أبرز اختبارات هذا المبدأ. فنجاح العرب في دعم مسار سياسي متماسك في غزة سيكون بمثابة دليل عملي على أن خطاب القمة الطارئة كان نقطة انطلاق لرؤية أوسع تعيد للأمن العربي بعضاً من وزنه المفقود، على حد تعبيره.