logo
حسابات معقدة واختبار للنوايا.. "ألغام" جديدة تهدد المسار التفاوضي بين دمشق وقسد
قسد ودمشقالمصدر: إرم نيوز
العالم العربي
خاص

حسابات معقدة واختبار للنوايا.. "ألغام" جديدة تهدد المسار التفاوضي بين دمشق وقسد

25 يوليو 2025، 6:05 ص

على وقع الأحاديث والتسريبات الأخيرة بشأن احتمالية تأجيل أو انعقاد جولة تفاوض جديدة بين وفد من الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، وقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، من جهة، ووفد رفيع المستوى من حكومة دمشق الانتقالية من جهة أخرى، تشير المؤشرات إلى أن مسار المفاوضات حول مستقبل مناطق شمال شرق سوريا قد دخل مرحلة جديدة.

رفض العودة إلى دمشق

مصادر كردية مقربة من "قسد" أفادت لـ"إرم نيوز" بأنّ مسار التفاوض مع حكومة دمشق الانتقالية قد اتّخذ بُعداً جديداً، وذلك على خلفية عدم التوصّل إلى رؤى متوافقة بين الطرفين خلال الجولة السابقة التي عُقدت في دمشق مطلع شهر حزيران الفائت.

وأضافت المصادر أن أحداث السويداء الأخيرة قد عمّقت الهوة بين مواقف الطرفين، وأربكت مسارات التوافق الممكنة بينهما.

كما أوضحت المصادر أنّ مسألة دمج "قسد" في الجيش السوري الجديد ليست هي المشكلة الأساسية، بل إنّ الإشكالية تتعدّى ذلك إلى محددات يقتضيها إطار التفاوض، لا تتعامل معها دمشق بإيجابية.

 وأضافت المصادر: "تطالب قسد بعودة الخدمات إلى مناطق شمال شرق سوريا، عبر إدارة وتنسيق مشترك مع دمشق في ملفات المعابر الحدودية وإدارة سد تشرين، إضافة إلى ضرورة تفعيل المطار المدني، وإدارات الشؤون المدنية والهجرة والجوازات، ومديريات التربية والتعليم".

 ولا يقتصر الأمر على المحددات التي ذكرتها المصادر، إذ أشارت أيضاً إلى وجود دور فرنسي آخذ في التوسّع، لدعم مسار التفاوض مع دمشق، ولكن ضمن صيغة تتوافق مع رؤية "قسد" في مختلف الملفات التفاوضية.

أخبار ذات علاقة

عنصر في القوات الكردية

الحكومة السورية تشدد على رفض احتفاظ قوات "قسد" الكردية بالسلاح

وأضافت المصادر في سياق مواز: "حتى الآن، لن تشارك قسد في أي جولة تفاوضية تُعقد في دمشق، بل ستكون اللقاءات إما في باريس أو عمّان. ومن المقرر أن تنعقد جولة أولى، قريباً، في باريس، لكنها لن تُعقد يوم الجمعة المقبل، لأن قسد رفضت أن تمنح السلطة الانتقالية زخماً دولياً جديداً بعد انتهاكات السويداء، ولن تكرّر ما حدث بعد أحداث الساحل، حين ذهبت لتوقيع الاتفاق الأولي في العاشر من آذار".

وتابعت مصادر "إرم نيوز" قائلة: "فرنسا تدعم رؤية قسد، وقد تكون بذلك في مواجهة غير مباشرة مع تركيا، في ظل علاقة ثنائية فاترة بين البلدين منذ مدة ليست بالقصيرة. لكن بشكل عام، تمكّنت باريس من دفع المبعوث الأميركي إلى نقل مسار المفاوضات خارج دمشق، ومن المتوقع أن تلعب دوراً محورياً في تحقيق نقلات إيجابية في مسار التفاوض بين قسد ودمشق".

وفيما يتعلّق بأبرز الملفات التي ستطرحها "قسد" في أولى جولات التفاوض المرتقبة، والتي يُفترض أن تُعقد، الشهر المقبل، في باريس، أوضحت المصادر أنّ "قسد" ستتقدّم بطلب تمديد مهلة الاتفاق الأولي الموقَّع بين الجنرال مظلوم عبدي (قائد قسد) والرئيس الانتقالي أحمد الشرع، من عام واحد إلى 3 أعوام، وذلك استناداً إلى جملة من الاعتبارات، في مقدّمتها أنّ عملية دمج القوات ستتطلب وقتاً طويلاً، لا سيما في ظل استمرار خطر تنامي تنظيم "داعش" في المنطقة.

كما تُبدي "قسد" استعدادها للاندماج ضمن الجيش السوري الجديد، ولكن بصيغة "فيلق مستقل" يحتفظ بانتشاره في مناطق التواجد الحالية في شمال شرق سوريا، وتحديداً في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة، وهو ما ترفضه دمشق حتى الآن.

استنزاف تفاوضي تحت سقف الضرورة

رغم اتساع رقعة الاتصالات الدبلوماسية حول الملف الكردي في شمال شرق سوريا، من باريس إلى عمّان فدمشق، إلا أنّ الطابع العام لمسار المفاوضات لا يزال أقرب إلى تفاهمات أمنية–إدارية موضعية، تُدار تحت سقف الضرورات المؤقتة، دون أن ترتقي إلى مستوى الإطار السياسي الجامع الذي يُعيد تعريف العلاقة بين الإدارة الذاتية والسلطة الانتقالية المؤقتة.

وبحسب حديث المحلل السياسي، عماد المصري، لـ"إرم نيوز" فإنّ تركّز "قسد" في المطالبة بإبقاء الانتشار العسكري وتثبيت صيغة "الفيلق المستقل"، بالتوازي مع تمسّك دمشق بمبدأ وحدة القيادة، يُحيل إلى مأزق بنيوي لا يتصل بآليات الدمج فحسب، بل بطبيعة الدولة السورية نفسها بعد انتقال السلطة. "فالسؤال الذي يبدو غائباً عن الطاولة هو ما شكل الدولة التي يُراد إعادة بنائها، هل هي دولة مركزية شديدة بقبضة أمنيّة ناعمة، أم صيغة مرنة متعددة المستويات تُراعي الخصوصيات الإدارية، والجغرافية، والعرقية".

وتابع المصري قائلاً: "يبدو أن الطرفين على تناقضهما؛ يشتركان في إدارة تفاوض تكتيكي يركّز على المهل الزمنية والتفاهمات الأمنية، دون أن يطال جوهر التباين الحقيقي. وهذا ما يفسّر كثافة العواصم المتدخلة (واشنطن، باريس، أنقرة) مع غياب ضمانات داخلية، سواء عبر توافق دستوري أو آليات مساءلة مشتركة".

واعتبر المصري بأن المعضلة الأكبر تكمن في هشاشة البنية التفاوضية، حيث لا خريطة طريق معلنة، ولا آلية متابعة مستقلة، ولا أطراف مراقبة ذات شرعية فوق تفاوضية. "كل ما يجري، الآن، يبدو أقرب إلى اختبار نوايا طويل الأمد، محكوم برهانات دولية أكثر مما هو مشروط بتفاهمات وطنية قابلة للتثبيت".

في حين فإن الدور الفرنسي في المفاوضات بين "قسد" ودمشق لا يمكن فهمه بمعزل عن رغبة باريس في استعادة موطئ قدم جيوسياسي في سوريا، بعد سنوات من التراجع الأوروبي لصالح الدورين الروسي والتركي، وفق حديث المحلل السياسي لـ"إرم نيوز". لكن هذا التدخل لا يأتي في سياق صدامي مباشر، وإنما عبر نموذج دبلوماسي ناعم يتقاطع مع الأميركيين دون أن يتطابق معهم.

وبحسب مصادر "إرم نيوز"، فإن باريس تسعى إلى تثبيت نفسها كوسيط ضامن، يسعى لإعادة تعريف العلاقة بين المركز والأطراف عبر مسارات إدارية تدريجية.

أخبار ذات علاقة

اتفاق سابق بين الشرع ومظلوم عبدي

هل تنجح باريس في إنقاذ الاتفاق المتعثر بين دمشق وقسد؟

هذا الدور الفرنسي يصطدم مع حساسيات تركية معلنة، إذ ترى أنقرة أن باريس تُعيد تدوير مشاريع الحكم الذاتي في الشمال السوري تحت عباءة سياسية، وهو ما تعتبره تهديداً مباشراً لوحدة الأمن القومي التركي، خاصة إذا ما اقترن هذا المسار باعترافات دولية تدريجية بشرعية "قسد" كطرف تفاوضي مستقل، وفق المصادر.

فيما لم تصدر أنقرة مواقف مباشرة بشأن الجولة التفاوضية المرتقبة في باريس، لكن تركيا يبدو أنها تراقب هذا المسار باعتباره اختراقاً فرنسياً خطيراً للهامش الرمادي الذي لطالما استثمرت فيه أنقرة لضبط التوازن بين واشنطن وموسكو، بحسب رأي المحلل السياسي، عماد المصري.

ويضيف بأن أنقرة قد تخشى من أن يؤدي أي تقدم تفاوضي برعاية فرنسية إلى خلق واقع تفاوضي دولي جديد، يعيد الاعتبار لـ"قسد" خارج التفاهمات الأمنية الضيقة، ويُضعف نفوذ أنقرة في ملف المفاوضات.

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC