على قمة جبلية تطل على مدينة القدس من الشرق، ترابط نحو 80 عائلة بدوية في "جبل البابا"، الذي بات اسمه يتردد كـ"رمز للصمود" في وجه أحد أخطر المشاريع الاستيطانية الإسرائيلية، المعروف باسم "E1"، والهادف إلى فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، وقطع الامتداد الجغرافي بين القدس وعمقها الفلسطيني.
في قلب هذا المشهد، يقف حسن مليحات، أحد وجهاء بدو فلسطين والمشرف العام على منظمة "البيدر" للدفاع عن حقوق البدو في القدس، متأملًا واقعًا يزداد قسوة، وأرضًا تسير نحو المصادرة.
في حديث لـ"إرم نيوز"، يسترجع مليحات تاريخ جبل البابا، مشيرًا إلى أن تسميته تعود إلى زيارة تاريخية قام بها بابا الفاتيكان السابق بولس السادس إلى القدس العام 1964، حين كانت الضفة الغربية تحت الإدارة الأردنية آنذاك.
ويؤكد مليحات أن السلطات الإسرائيلية أصدرت أوامر هدم تطال جميع منازل التجمع، ونفذت نحو 100 عملية هدم في السنوات الأخيرة، موضحًا أن جبل البابا ليس وحده المستهدف، بل إن عشرات التجمعات البدوية الواقعة ضمن نطاق مشروع "E1" تواجه الخطر ذاته، بينها أبو نوار، ووادي الجمل.

أما أبو عماد الجهالين، أحد البدو المهددين بهدم منازلهم، فيقول: "على الأرض لا يحتاج الأمر إلى كثير من الشرح، فالخيام متناثرة، والمنازل ما زالت مؤقتة، وأسلاك الكهرباء تمتد عشوائيًا، والأطفال يركضون وسط الجفاف".
بهذه الصورة المأساوية كان الجهالين يتحدث لـ"إرم نيوز"، وقال: "نحن هاجرنا من صحراء النقب العام 1948، هدموا بيتنا أكثر من مرة، وما زلنا نعيد البناء، وهذه الأرض وطننا الوحيد، ولن نغادرها".
ويتابع: "جبل البابا هو قلب فلسطين، وفقدانه يعني موت الحلم الفلسطيني، فنحن نعيد بناء بيوتنا كل مرة يهدمونها، ولن نقبل بأي بديل، ولا نريد أن نعيش نكبة جديدة داخل وطننا".
فيما يقول رئيس مجلس قروي "جبل البابا" عطاالله المزارعة: "نحن نعيش عزلة تامة بسبب مشروع E1، الذي فصلنا عن محيطنا الطبيعي ومجتمعنا الفلسطيني، ولم نعد نصل إلى أراضي الرعي، ومع كل تضييق جديد، يشعر البدوي أن حياته تُنتزع منه يومًا بعد يوم".
ويضيف المزارعة لـ"إرم نيوز": "لا نعرف متى سيهدمون بيوتنا أو يُرحلوننا، نعيش كل لحظة في ظل تهديد دائم، وسط تخبط الحكومة الإسرائيلية وغطرسة قراراتها، نخاف من هجوم مفاجئ، والخوف أصبح رفيقنا الدائم في كل يوم".
ويقول إن "مشروع E1 لا يستهدف الأرض فقط، بل ينهي أسلوب حياة بأكمله، نحن مجتمع بدوي نعيش على الرعي والتنقل، واليوم نُحاصر بالجدران والمستوطنات والجنود، لا شيء بقي كما كان، سوى إحساسنا بالظلم والقلق على مستقبل أولادنا".
ويُعد المشروع الاستيطاني "E1" من أخطر مخططات التوسع الإسرائيلي، كونه يسعى إلى ربط مستوطنة "معاليه أدوميم" بالقدس، على حساب أراضي الفلسطينيين، ويعني تنفيذه فعليًا القضاء على أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافيًا.
ومع إعلان الحكومة الإسرائيلية، على لسان وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، المصادقة على بناء آلاف الوحدات الاستيطانية ضمن المشروع، ازدادت مخاوف السكان من التهجير القسري.
ورغم كل الضغوط، يتمسك سكان جبل البابا بأرضهم، ويواصلون الدفاع عن وجودهم، رغم ما يعيشونه من موت بطيء للحياة البدوية.