أفاد مصدر في البرلمان العراقي بتأجيل طرح مشروع قانون الحشد الشعبي إلى الدورة النيابية المقبلة، بسبب تصاعد الضغوط الدولية والخلافات السياسية الداخلية التي أحاطت بالقانون منذ بداية تداولها.
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لـ"إرم نيوز"، أن "هيئة رئاسة البرلمان قررت دفع مشروع القانون إلى الدورة النيابية المقبلة بسبب الانقسام العميق بين الكتل، فضلًا عن وجود ملاحظات أمريكية وغربية تنظر بعين الريبة إلى محاولات تقنين فصائل مسلحة داخل المؤسسة الرسمية".
وبحسب المصدر، فإن "اشتباكات السيدية وما أعقبها من آثار وتداعيات كانت السبب المباشر وراء اتخاذ هذا القرار، لا سيما أنها وقعت داخل مؤسسة حكومية (وزارة الزراعة)؛ ما سلط الضوء مجددًا على نفوذ الجماعات المسلحة وصعوبة السيطرة على تحركاتها حتى داخل دوائر الدولة، في تحدٍ صارخ للقانون وهيبة المؤسسات".
رفض دولي وخلافات داخلية
وكان البرلمان العراقي قريبًا من التصويت على مشروع القانون الجديد بعد أن أتمّ قراءته الأولى والثانية خلال جلسات يونيو/حزيران الماضي، بدعم من قوى الإطار التنسيقي.
وتضمّن جدول أعمال البرلمان خلال تلك الفترة بندًا خاصًا بالقانون، لكن رئاسة المجلس امتنعت لاحقًا عن طرحه للتصويت، وسط تغيّب كتل سياسية وامتناع نواب عن حضور الجلسات.
ويواجه مشروع القانون رفضًا صريحًا من قوى سنية وكردية، بعضها وصفه بـ"الخطوة الاستفزازية" في توقيت غير مناسب.
وأعربت واشنطن، عبر قنوات دبلوماسية، عن قلقها من أي محاولة لتشريع غطاء قانوني يرسّخ وجود الميليشيات، خاصة بعد تورط بعضها في هجمات سابقة ضد القوات الأمريكية.
وشهدت العاصمة بغداد بتاريخ 27 تموز/يوليو الماضي اشتباكات مسلحة داخل مبنى تابع لوزارة الزراعة في منطقة السيدية، بين عناصر من ميليشيا كتائب حزب الله وميليشيا كتائب الإمام علي، إثر صراع على منصب المدير العام للدائرة الزراعية.
أسفرت المواجهات عن إصابة عدد من الأشخاص، فيما اعتقلت القوات الأمنية 14 مسلحًا، وفق بيان لاحق لوزارة الداخلية العراقية.
وتسببت الحادثة في صدمة للرأي العام، بعد تداول مشاهد مصورة لانتشار المسلحين بأسلحتهم داخل المؤسسة الرسمية دون تدخل سريع من الجهات المسؤولة.
"نفوذ ميليشياوي" أوسع
بدوره، رأى المحلل السياسي عبدالله الركابي أن "تراجع البرلمان عن تمرير القانون في هذا التوقيت يؤكد وجود قلق سياسي من ردود الفعل الداخلية والدولية، خاصة مع تنامي الحديث عن قرارات محتملة ضد الجماعات المسلحة".
وأكد في حديثه لـ"إرم نيوز" أن "تمرير القانون وسط هذه الأجواء سيُعد تحديًا للولايات المتحدة والدول الأوروبية التي ربما تراجع علاقاتها مع العراق بسبب تكرار خروقات الفصائل المسلحة".
وأوضح أن "القوى السياسية تدرك حجم الضغوط الدولية لإنهاء وجود الفصائل المسلحة، وبالتالي فإنها لا ترغب في تخطي هذه الرغبة لما يعنيه ذلك من إمكانية فرض عقوبات دولية على العراق أو تعطيل التعاون العسكري والاقتصادي، خصوصًا في ظل حاجة الحكومة للدعم المالي والتقني في مجالات الطاقة والبنى التحتية".
ويتضمن مشروع القانون الجديد إعادة هيكلة الحشد الشعبي عبر تثبيت ميليشيات معينة كمكونات رسمية داخله، ومنحها سلطات مالية وإدارية خاصة، إلى جانب ترتيبات تتيح للقائد العام للقوات المسلحة توزيع المناصب العليا داخل الهيئة بالتشاور مع رئيس الهيئة نفسه.
ويشير مختصون إلى أن هذه التعديلات تهدف إلى ضمان استمرار نفوذ بعض الميليشيات القوية داخل الهيئة، مع تحصينها قانونيًا من أي محاسبة لاحقة.
وفي وقت سابق، أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أن واشنطن تتابع عن كثب تطورات مشروع قانون الحشد الشعبي، محذرة من تداعياته على استقرار العراق ومستقبل التعاون الأمني بين البلدين.
ومن المقرر أن تُجرى الانتخابات النيابية العراقية المقبلة في تشرين الثاني/نوفمبر 2025، بحسب الموعد الذي أعلنت عنه المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، والتي أكدت جاهزيتها الفنية لإجراء الاقتراع في ذلك التوقيت، بانتظار استكمال بعض الترتيبات القانونية والسياسية.
وتأتي هذه الانتخابات في وقت يشهد غياب التيار الصدري عن المشهد، وصعود تحالفات جديدة؛ ما يفتح الباب أمام تغييرات محتملة في موازين القوى داخل البرلمان.
كما تتزايد المخاوف من تأثير المال السياسي وسلاح الميليشيات على نتائج الانتخابات، في وقت تؤكد فيه المفوضية أنها ستتعاون مع هيئة النزاهة والرقابة الدولية لضمان الشفافية.