logo
العالم العربي

منصات سرقة النفط.. اقتصاد الظل للجماعات المتطرفة في حضرموت

معامل جديدة لنهب النفط في وادي حضرموتالمصدر: إكس

بين أنابيب صدئة وخزانات مهترئة، تتكشّف خيوط اقتصاد موازٍ يستنزف موارد حضرموت، خارج نطاق مؤسسات الدولة، في مشهد يعكس حجم الاختلال العميق الذي تدفع ثمنه أغنى محافظات اليمن بالثروات النفطية، نتيجة بقائها خارج معادلات الاستقرار لعقود طويلة.

إحدى المنصات التي ضبتها القوات الجنوبية

لم تكن المصافي العشوائية التي جرى ضبطها مؤخرًا في وادي حضرموت، مجرد منشآت بدائية لتكرير نفط، بقدر ما كانت شاهدًا ميدانيًّا على وجود شبكات منظّمة لإدارة النفط المنهوب، تعمل بعيدًا عن الأطر القانونية لتحويل الثروات الجوفية إلى وقود للفوضى والفساد.

خلال عمليات أمنية أعقبت سيطرة القوات المسلحة الجنوبية على مناطق وادي وصحراء حضرموت ومحافظة المهرة، تمكّنت الوحدات العسكرية من ضبط عدة معامل غير قانونية مرتبطة مباشرة بأنابيب الحقول النفطية الرئيسة، كانت تُستخدم لسرقة النفط الخام وتكريره بوسائل بدائية، تمهيدًا لبيعه في السوق السوداء لصالح شخصيات يمنية نافذة، وفق معلومات أمنية.

اقتصاد الظل

يقول المتحدث باسم القوات المسلحة الجنوبية، المقدم محمد النقيب، إن عدد المنشآت المضبوطة بلغ حتى الآن 5 منشآت في مناطق زراعية من حضرموت، مرجحًا وجود منصّات سرية أخرى لم يُكشف عنها بعد، خصوصًا في المناطق الصحراوية الشاسعة من المحافظة.

وأوضح النقيب في تصريح خاص لـ"إرم نيوز"، أن هذه المعامل تمثّل جزءًا من منظومة نهب ممتدة منذ أكثر من 3 عقود، "وتتبع شخصيات شمالية نافذة، عملت طوال السنوات الماضية تحت غطاء عسكري وأمني وفرته المنطقة العسكرية الأولى".

مشيرًا إلى أن استمرار شبكات المصالح المتداخلة في وادي حضرموت، أتاح للجماعات المتطرفة الاستفادة من اقتصاد الظل النفطي كمصدر تمويل غير مباشر.

إحدى المنصات التي ضبتها القوات الجنوبية

مؤكدًا أن العمليات العسكرية والأمنية الجارية، تهدف إلى قطع شرايين التهريب، وتجفيف الموارد التي تُستخدم في دعم الحوثيين والجماعات المتطرفة، ضمن خطة شاملة تتكامل فيها الأبعاد الأمنية والعسكرية والإدارية.

وبيّن أن ضبط هذه المعامل ووقف أنشطتها غير المشروعة، يعدّ خطوة أساسية على طريق النهوض الاقتصادي والتنموي لحضرموت، وجهود إعادة توجيه مواردها نحو خدمة السكان المحليين، بما يُسهم في تطبيع الحياة وتعزيز الاستقرار.

وذكر النقيب أن "القوات الحكومية الجنوبية" وفي طليعتها النخبة الحضرمية والدعم الأمني، ستواصل مهامها في كشف وضبط معامل "النهب والاستنزاف غير المشروع لنفط حضرموت".

براميل

تحركات قانونية

وعلى إثر المخاطر الاقتصادية والبيئية والأمنية التي تمثّلها هذه الأنشطة غير القانونية، وجّه النائب العام للجمهورية اليمنية، قاهر مصطفى، رئيس نيابة استئناف الأموال العامة بمحافظة حضرموت، بفتح تحقيق شامل وعاجل بشأن محطات تكرير النفط العشوائية وغير المرخصة في منطقة "الخشعة".

وتُشدد توجيهات النائب العام على إجراء تحقيقات موسّعة تغطي جميع وقائع إنشاء هذه المحطات والقائمين على تشغيلها والممولين والداعمين والمتسترين عليها، وأي موظف عام أو جهة يَثبُت تورطها أو تقصيرها أو تسهيلها لهذه الأنشطة غير المشروعة، وذلك لاتخاذ الإجراءات القانونية الصارمة بحقهم وفقًا لأحكام القانون.

ولا يمكن فصل انتشار المنصات النفطية في حضرموت عن السياق الأوسع للفساد البنيوي الذي طال إدارة القطاع النفطي في اليمن خلال العقود الماضية، وسط هشاشة المؤسسات وتعدد مراكز النفوذ وغياب الشفافية والمساءلة؛ ما أبقى موارد الدولة خارج معادلات التنمية والاستقرار.

إحدى المنصات التي ضبتها القوات الجنوبية

استغلال منظّم

في هذا السياق، قال المحلل السياسي منصور صالح، إن ما يجري لا يمكن النظر إليه كحوادث فردية أو تجاوزات معزولة، "بل يعكس وجود منظومة نهب ممنهجة تستهدف الثروات الوطنية الجنوبية على مدى سنوات طويلة".

مؤكدًا في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن هذا العبث المنظم والنهب الواسع للنفط الذي كشفت عنه القوات الجنوبية، يثبت صحة التحذيرات السابقة من "استغلال قوى نفوذ يمنية وفاسدين من خارج الجنوب، لثروات حضرموت وبحماية عسكرية".

وأشار صالح إلى أن عملية الاستنزاف الاقتصادي الواسعة التي تعرّض لها الجنوب، وأهدرت خلالها مليارات الدولارات دون أن ينعكس ذلك على حياة المواطنين، الذين ظلوا يعانون أزمات خانقة في المشتقات النفطية وانقطاعات مزمنة للكهرباء وتراجع حاد في مستوى الخدمات الأساسية، في مقابل تراكم ثروات طائلة لدى المتنفذين الذين استفادوا من هذه الممارسات غير المشروعة.

معتبرًا إجراءات القوات المسلحة الجنوبية إلى جانب التحقيقات التي باشرتها نيابة استئناف حضرموت، تمثّل خطوة تصحيحية ضرورية لوضع حدّ لهذا العبث، واستعادة السيطرة على الموارد، وضمان إدارتها بما يخدم أبناء الجنوب، بشكل يطوي صفحة طويلة من الفساد المنظّم.

واختتم صالح حديثه بالتأكيد أن حماية الثروات الوطنية وتجفيف منابع الفساد، يشكلان مدخلًا أساسيًّا لتحقيق الاستقرار في حضرموت وبقية مناطق الجنوب.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC