تواجه الإدارة السورية الجديدة مشهداً معقّداً مع استمرار التباعد بينها وبين الأقليات، مع نُذر تعثر اتفاقية وقّعتها مع المكوّن الكردي في شرق البلاد، فيما تتواصل القطيعة مع الطائفة الدرزية في الجنوب وسط توتر كان آخر محطاته مكتب المحافظ المحسوب على حكومة دمشق.
وفي الساحل، حيث الوجود العلويّ المركزي، تبدو الأمور مرشّحة للانفجار في أي وقت، مع تقارير تتحدث عن جهود لبقايا نظام الأسد المخلوع من تشكيل خلايا عسكرية وحشد لمعركة "قادمة"، ومع مشاهد متكررة لحالات اعتداء تُحال إلى "تجاوزات" فردية، ما يجعل تكرار "أحداث مارس" وارداً في أي وقت.
وتبدو الإدارة السورية أمام خيارين في التعامل مع ملفّ الأقليات، بين مفاوضات شاقة قد تمتد إلى سنوات وتعطّل استعادة الدولة لعافيتها، أو تحرّك عسكري "حاسم" من المتوقع أن يثير سخطاً دولياً وإقليمياً، ويمثل انتكاسة لكل الجهود الدبلوماسية لحكومة دمشق والتي حققت "اختراقات" مهمة.
ويقرّ الكاتب والباحث السياسي اللبناني، علي حمادة، بأن حكومة دمشق أمام ملف "شائك"، وما يزيد من تعقيده أن سوريا لا تزال حتى الآن في المرحلة الانتقالية، والمقلق باعتقاده أن هذه المرحلة قد تطول أشهر وربما عدة سنوات.
ويرى علي حمادة في تصريح لـ "إرم نيوز"، أن السلطات السورية الجديدة مطالبة بإيجاد "حل منطقي معقول"، في مسألة الأمن، لافتاً إلى أن هذا الأمر متصل بدمج كل الفصائل المسلحة في البلاد "في إطار الشرعية السورية، وإخضاع كل هذه الفصائل إلى سلطة القانون في كل تحركاتها وكل أعمالها".
ودون تشكيل قوى أمنية جامعة، ستظلّ الأرض السورية، بحسب حمادة، خصبة لزرع "الشكوك والشقاق"، وهو أمر مقلق عربياً ودولياً، مضيفاً ألا أحد يريد أن تكون سوريا "دويلات، ثم دويلات متقاتلة، وتتحول في نهاية المطاف إلى نقطة مصدّرة للقلاقل وعدم الاستقرار في كل المنطقة".
ويشدد حمادة على ضرورة أن تستغل الإدارة السورية الدعم العربي لشرعيتها، عبر "تسريع المسار نحو دولة القانون، والمرجعية الواحدة ذات المسؤولية الواحدة"، مفسّراً ذلك بأنّ أي تجاوزات ينبغي أن تتحملها مرجعية واحدة وهي التي تقوم بمنع حدوث ذلك أو تكراره.
لكنّ مسار الحوار، بحسب مراقبين، قد يستغرق سنوات تكون فيه البلاد قد تأخّرت عن مرحلة التعافي، خصوصاً أنه كلما أطفأت الإدارة حدثاً ما مع أقلية ما، انفجر حدث آخر مع أقليات أخرى، فبعد أحداث الساحل الدامية في مارس، جاءت المواجهات في جنوب دمشق في أبريل.
وهو ما أعاد فرضية لجوء الإدارة السورية الجديدة إلى خيار "الحسم العسكري" خصوصاً مع تعقد تشكيل جيش موحّد يضم كل التشكيلات العسكرية للأقليات.
إلا أن الخبير العسكري السوري، أحمد رحال، يرى أن حكومة دمشق الجديدة، ومنذ بدء مهامها بعد سقوط نظام الأسد، جعلت الخيار العسكري هو "آخر الخيارات"، مثلما حدث في السويداء وشرق الفرات، معتبراً أن ما حدث في الساحل "ليس نهجاً بقدر ما كان ردة فعل".
ويستبعد أحمد رحال في تصريح لـ "إرم نيوز"، خيار الحسم العسكري تماماً بقوله إنه "خيار مُجرّب، إذ جرّبه نظام الأسد المخلوع ولم يؤد إلى نتيجة، وبالتالي أرى أن الحكومة الجديدة ليس لديها أي توجه عسكري في ملف الأقليات".
كما يعتقد أن الأقليات أيضاً، من العلويين والدروز والأكراد، لا تريد التوجه نحو التصعيد العسكري، وتتفق برأيه مع نهج الحكومة القائم أن التفاوض هو الطريق الأسلم نحو حل سياسي شامل.