حذرت مصادر مطلعة من أنه وبينما يحيي الإسرائيليون الذكرى الثانية لهجوم الـ7 من أكتوبر، تجري في القاهرة مفاوضات حساسة قد تحول هذا اليوم إلى اختبار لقدرة الأطراف على صنع سلامٍ من الرماد.
وكشفت "نيويورك تايمز"، أنه ووسط هذه الأجواء المتزامنة على كلا الجانبين، تسعى كلٌّ من إسرائيل وحماس، بوساطة مصرية وقطرية وبرعاية مباشرة من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى إنهاء الحرب التي استمرت لعامين وأثقلت كاهل الطرفين.
وتستند هذه المحادثات إلى خطة من عشرين بنداً وضعها ترامب الشهر الماضي، تتضمن تبادلاً للأسرى بين إسرائيل وحماس وانسحاباً تدريجياً للقوات الإسرائيلية من أجزاء من قطاع غزة، وقال ترامب في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض إن "الجميع يريد أن يحدث ذلك، حتى حماس"، مشيراً إلى أن خطته تحظى بقبول واسع من الأطراف المعنية، وإن بقيت نقاط خلافية عالقة.
وبحسب وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، فإن حماس وافقت على "الإطار العام" لتبادل الأسرى الذي يشمل إطلاق سراح 250 أسيراً فلسطينياً محكومين بالمؤبد و1,700 معتقل من غزة مقابل الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين، كما يتضمن الاتفاق تسليم جثامين مقابل جثامين؛ إذ ستفرج إسرائيل عن جثامين 15 فلسطينياً مقابل كل أسير إسرائيلي يتم استعادة جثمانه.
لكن المسائل اللوجستية والسياسية المعقدة لا تزال تعرقل التقدم؛ فالجانبان لم يتفقا بعد على أسماء السجناء الفلسطينيين الذين سيُفرج عنهم، كما أن حماس لم تعلن موقفاً واضحاً من الشروط الأمريكية الجوهرية، وعلى رأسها نزع السلاح واستبعادها من الحكم في غزة، ووفق تصريحات البيت الأبيض، فإن المفاوضات الجارية في القاهرة تتركز على مراجعة قوائم الأسرى والمحتجزين تمهيداً لوضع جدول زمني للتنفيذ.
ويرى الخبراء أن ترامب، الذي يسعى لتسجيل اختراق دبلوماسي كبير، أعلن أن "وقف إطلاق النار سيكون فورياً بمجرد تأكيد حماس"، وأن عملية تبادل الأسرى ستبدأ خلال 72 ساعة من التوقيع، إلَّا أن محللين يرون أن تطبيق هذه البنود خلال فترة قصيرة أمر بالغ الصعوبة، خاصة أن الخطة تتضمن بقاء قوات إسرائيلية داخل غزة لفترة انتقالية، الأمر الذي ترفضه حماس وتراه انتقاصاً من السيادة الفلسطينية.
وفي إسرائيل، يحاول نتنياهو تقديم الخطة كنتاج لـ"الضغط العسكري المكثف" على غزة، مؤكداً أن هذا الضغط هو ما أجبر حماس على التفاوض، لكنه يواجه معارضة داخلية حادة من شركائه في اليمين المتطرف الذين يهددون بإسقاط حكومته إن وافق على الصفقة، وفي المقابل، تتزايد الضغوط الشعبية عليه من عائلات الأسرى ومن قطاعات واسعة من الإسرائيليين الذين يريدون نهاية للحرب.
أما في غزة، فالكثيرون يرون في خطة ترامب هي "الفرصة الأخيرة" لإنقاذ ما تبقى من حياتهم بعد دمار هائل ونزوح جماعي استمر لعامين، ورغم أن الخطة قد تُبقي إسرائيل حاضرة داخل القطاع وتقصي حماس عن الحكم، إلَّا أن الإعياء الجماعي من الحرب جعلها تُستقبل على نطاق واسع كنافذة خلاص.
وبينما يصف ترامب المفاوضات بأنها "إنجاز مذهل"، تبقى الحقيقة أن طريق السلام لا يزال محفوفاً بالألغام؛ فحماس لم تتخلّ عن سلاحها، وإسرائيل لم تتراجع عن موقفها، ونتنياهو يوازن بين ضغوط الخارج وانقسامات الداخل، ومع ذلك، فإن مجرد انعقاد هذه المفاوضات في يوم يحمل كل هذا الثقل الرمزي — ذكرى الهجوم الذي بدأ منه كل شيء — يجعل اللحظة استثنائية.
لقد بدأت الحرب في 7 أكتوبر بالدم والنار، وقد تنتهي - إن قُدّر لها أن تنتهي - في 7 أكتوبر آخر، يوم تختلط فيه الذاكرة بالأمل، والمأساة بالمساومة، لتصبح نهاية الحرب اختباراً لإرادة الجميع في صنع سلام من الرماد.