الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أنه مع نهاية الحرب في غزة وعودة عشرين رهينة إسرائيلية إلى عائلاتهم، تبدو المنطقة على أعتاب مرحلة تحول سياسية كبرى؛ فبينما تُطوى صفحة دامية من الصراع، تُفتح أخرى مليئة بالتساؤلات حول مستقبل الترتيبات الإقليمية، والدور الإسرائيلي، وحدود النفوذ الأميركي في صياغة مسار السلام.
وذكرت أنه رغم المشاهد الإنسانية المؤثرة لعودة الرهائن واحتضان ذويهم، فإن خلف هذه اللحظة المفعمة بالعاطفة تكمن تحولات أعمق، تتعلق بمصير حكومة بنيامين نتنياهو، والعلاقة مع واشنطن، وفرص التطبيع الجديدة في المنطقة.
واضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحت ضغط سياسي مكثّف، إلى القبول بصفقة الرهائن، في خطوة اعتُبرت بداية "تعافي إسرائيل كمجتمع"، كما وصفها اللواء نيتسان ألون.
غير أن الحدث الأهم لم يكن في تل أبيب أو غزة، بل في أروقة الكنيست، حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من على منصته أن الحرب انتهت وأن إسرائيل "انتصرت"، داعيًا إلى استثمار اللحظة لفتح صفحة جديدة من العلاقات مع العالم العربي والإسلامي.
لم يُخفِ ترامب إعجابه الشخصي بنتنياهو، ولا رغبته في أن يُسجَّل له إنجاز دبلوماسي جديد، خصوصا بعد أن فاته قطار جائزة نوبل للسلام؛ حيث إن الرئيس الأمريكي يرى في نهاية حرب غزة فرصة لإحياء اتفاقيات تطبيع جديدة تمتد إلى دول بعيدة مثل إندونيسيا، مع وعود بآفاق اقتصادية ضخمة لإسرائيل وشركائها.
لكن، وكما جرت العادة مع ترامب، سرعان ما تحوّلت الحماسة إلى ارتباك؛ فالدعوة إلى قمة إقليمية في شرم الشيخ لم تكتمل، بعد أن رفض نتنياهو الحضور بحجة "الاعتبارات الدينية"، وألغت جاكرتا زيارتها المقررة عقب تسريب خبرها مبكرا؛ وهكذا، تحوّل مشهد الانفراج المؤقت إلى دليل جديد على هشاشة الحسابات الإسرائيلية والعربية في لحظة ما بعد الحرب.
ورغم أن نتنياهو بدا في البداية مستفيدا من دعم واشنطن اللامحدود، فإن هذا الدعم ذاته بات سيفا ذا حدين؛ فإظهاره كحليف مُدلّل لترامب أثار انتقادات داخلية واسعة، خاصة بعد مطالبة الرئيس الأمريكي للعفو عنه قضائيا قائلاً: "سيجار وشمبانيا، من يهتم بهذا؟".
وأعاد هذا التدخل المباشر في الشأن الداخلي الإسرائيلي تسليط الضوء على اعتماد نتنياهو المتزايد على الحماية السياسية الأمريكية؛ ما قد يضعف موقفه أمام القضاء والرأي العام المحلي.
ولفتت الصحيفة إلى أن الانقسام داخل الائتلاف الحاكم في إسرائيل يضع نتنياهو أمام معادلة شديدة الحساسية: بين إغراءات التطبيع العربي من جهة، وضغوط شركائه اليمينيين المتشددين من جهة أخرى.
وأوضحت أن هؤلاء الذين عارضوا صفقة الرهائن وهاجموا أي حديث عن تسويات دبلوماسية، يحاولون الآن نسب الفضل لأنفسهم في نجاح العملية، في وقتٍ يخشى فيه رئيس الوزراء من فقدان دعمهم الحاسم لبقائه في السلطة.
وبينما يسعى ترامب إلى تحويل انتصاره السياسي إلى واقع إقليمي جديد، تواجه إسرائيل معضلات غير محسومة في غزة نفسها: من مصير الجثث المفقودة، إلى سؤال "من سيحكم غزة بعد حماس؟"؛ إذ لا تزال فكرة إشراك السلطة الفلسطينية في إدارة القطاع تُقابل بتردد إسرائيلي واضح، رغم أنها قد تشكّل المدخل الواقعي لأي سلام إقليمي مستدام.
ويرى مراقبون أن الاعتراف بدورٍ للسلطة الفلسطينية سيُمهّد الطريق لتفاهمات أوسع في الشرق الأوسط، وربما لاتفاقات سلام جديدة؛ لكن تحقيق ذلك يتطلّب من إسرائيل أمرين نادرين في سلوكها السياسي: المرونة الدبلوماسية والقدرة على مقاومة إغراء الحلول العسكرية.
في المقابل، يدرك العديد من القادة العرب أن التقاط صورة مع نتنياهو بعد الدمار الذي خلّفته الحرب في غزة سيكون خطوة مكلفة سياسيًا؛ لذا، فإن أي اندفاعة نحو التطبيع مرهونة بتغيّر المناخ الشعبي في المنطقة، وبمدى استعداد إسرائيل لتقديم تنازلات حقيقية في المسار الفلسطيني.
مع أن نهاية الحرب تبدو في ظاهرها نقطة تحول، فإن الواقع أكثر تعقيدا. فالمجتمع الإسرائيلي لا يزال يعيش صدمة السابع من أكتوبر، التي أودت بحياة نحو ألفي شخص وأدت إلى اختطاف المئات.
ورغم استعادة بعض الرهائن، فإن الأسئلة حول المسؤولية السياسية والعسكرية لا تزال بلا إجابة. أما نتنياهو، فبدلاً من الاعتذار أو الاعتراف بالتقصير، اختار التركيز على ما يصفه بـ"الانتصارات" في لبنان وإيران وسوريا وغزة.
وذكرت الصحيفة أنه في هذه الأجواء، يتجلّى أن نهاية حرب غزة ليست خاتمة الصراع، بل بداية فصل جديد من المنافسة على النفوذ والرواية والمكاسب السياسية.
وأوضحت أن ترامب يسعى لتوظيف الحدث في حملته الانتخابية المقبلة، ونتنياهو يبحث عن إنقاذ شخصي وسياسي، بينما المنطقة برمّتها تقف أمام اختبار صعب: هل يمكن تحويل نهاية حرب مأساوية إلى فرصة حقيقية لبناء سلامٍ عادل ومستدام؟
حتى الآن، الإجابة لم تتبلور بعد، لكن المؤكد أن الشرق الأوسط يقف مجددا على حافة إعادة تشكّلٍ كبرى، قد تغيّر وجهه لسنوات قادمة.