نفى مصدر عسكري سوري، ما يثار حول هجوم وشيك لـ الجيش السوري والعشائر المتحالفة معه، على محافظتي دير الزور والرقة الواقعتين شمال وشمال شرقي سوريا، واللتين تخضعان بمعظمهما لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد".
وقال المصدر المطلع على طبيعة التحركات الميدانية، إن معلوماته تشير إلى أن الهجوم لن يحصل، خاصة أن العديد من المجموعات والعشائر أعلنت انسحابها، لافتا إلى أن التجمع العسكري الذي يجري الحديث عنه هو في معظمه تجمع لـ "فزعات عشائرية" غير منظمة وغير متفقة من حيث الأهداف.
وكشف المصدر أن اجتماعا جرى يوم الجمعة، لمجلس القبائل العربية، لاتخاذ قرار بشأن الهجوم على قوات سوريا الديمقراطية، وانتهى بعدم التوافق بين العشائر، في ظل وجود قبائل رافضة للهجوم.
وكانت صحيفة "ذا ناشونال" البريطانية تحدثت مؤخرا عن أن "الجيش السوري وضع خطة لشن هجوم واسع النطاق في شرق البلاد بحلول أكتوبر المقبل، يستهدف انتزاع السيطرة على محافظتي الرقة ودير الزور من قبضة قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، في حال فشل الأخيرة في التوصل إلى تفاهم مع دمشق.
وبحسب مصادر الصحيفة، يجري حاليا حشد قوة عسكرية قوامها نحو 50 ألف عنصر بالقرب من مدينة تدمر، استعدادا للتقدم شمالا نحو المناطق الخاضعة لسيطرة "قسد"، بدعم من عشائر عربية محلية في المحافظتين.
المصدر العسكري أكد لـ "إرم نيوز" أن الولايات المتحدة والتحالف الدولي لا يمكن أن يمنحا ضوءا أخضر لمثل هذا الهجوم على "قسد"، الحليف الموثوق لواشنطن والتحالف، فيما تخشى دمشق تدخلا إسرائيليا مباشرا في حال اندلاع مواجهة مع "قسد"، لأنه سيكون عاملاً حاسماً في المعركة وفق قوله، لا سيما بعد أن قصفت تل أبيب دمشق الشهر الماضي لإحباط هجوم حكومي على مدينة السويداء.
وتزايدت في الآونة الأخيرة الأنباء عن احتمال فتح الجيش السوري جبهات جديدة في شمال شرقي البلاد، بالتزامن مع أنباء عن حشود عسكرية رُصدت في البادية السورية، حيث تحدثت المصادر عن تجميع ما يقارب خمسين ألف مقاتل قرب تدمر، مع تجهيز نقاط انطلاق باتجاه الرقة ودير الزور.
ووفقا للمصادر، ستكون العشائر العربية عنصرا رئيسا في أي مواجهة مقبلة بين دمشق و"قسد"، حيث إن نسبة كبيرة منها تكن العداء لـ "قسد" وترفض البقاء تحت سلطتها.
ورغم ذلك، تنقسم العشائر العربية في منطقة الجزيرة السورية في ولائها ما بين دمشق و"قسد"، حيث يشكل المقاتلون العرب نسبة تزيد على 50% من العدد الكلي لقوات "قسد"، فيما يرى مراقبون أن هؤلاء قد يكونون "حصان طروادة" ضد "قسد" في حال حصول أي مواجهات بين الجيش السوري والعشائر من جهة، وبين قوات سوريا الديمقراطية من جهة أخرى.
وتوالت في الآونة الأخيرة بيانات التهديد ضد "قسد" من قبل العديد من العشائر العربية. حيث أعلن وجهاء عشيرة المشهور، إحدى عشائر قبيلة البكارة، في بيان مشترك تلوه خلال تجمع في ملعب بمدينة تل أبيض، الخميس، عن قتال "قسد" حتى انتهاء كامل وجودها في منطقة الجزيرة السورية.
وتعد قبيلة البكارة (أو البقارة) إحدى أبرز القبائل في سوريا ولها نحو 30 فرعا يسمى محليا "فخذ"، وينتشرون في أربع محافظات سورية، أبرزها محافظة دير الزور شرقي البلاد. ويمتد وجود البكارة إلى الحسكة والرقة وصولا إلى حلب، وتعد بلدة المحيميدة في ريف دير الزور الغربي مقراً لمشيخة القبيلة التي يقدر عدد أفرادها بـ1.2 مليون نسمة داخل سوريا وخارجها.
وأكد البيان المشترك لعشيرة المشهور على "الوقوف الكامل والداعم مع باقي العشائر والقبائل لدعم الحكومة في الجمهورية العربية السورية". وشدد البيان على استعداد أبناء القبيلة لبذل دمائهم من أجل تحرير الأراضي التي يحتلها أعضاء التنظيم الإرهابي "ومن لف لفيفهم". وتابع: "نوجه النداء الأخير لجميع أبناء العشائر المنضوين تحت سلطة قسد للإسراع بالانشقاق عنها، وإلا سيكونون هدفا مشروعا لمقاتلينا".
وإلى جانب الأكراد تضم قوات سوريا الديمقراطية فصائل تنتمي إلى العشائر العربية، بما في ذلك قبيلة البكارة، وتفرض قسد سيطرتها الجغرافية على محافظتي دير الزور والحسكة، وأجزاء من الرقة وحلب، مشكلة بذلك إدارة ذاتية بقيادة كردية.
وتتحرك "قسد" وذراعها السياسي "مسد" في الآونة الأخيرة لكسب ود العشائر في مناطق سيطرتها، على أمل تحييدها عن أي مواجهة مستقبلية مع دمشق. وقال الرئيس المشارك لمجلس سوريا الديمقراطية، محمود المسلط، وهو شيخ قبيلة الجبور، -إحدى أكبر القبائل في سوريا والعراق-، إن العشائر السورية لن تكون وقودا ولا حطبا لصراعات داخلية أو إقليمية أو دولية.
جاء حديث المسلط في رسالة وجهها إلى السوريين وإلى العشائر السورية عامة، والتي كتب فيها: "تمرُّ سوريا اليوم بمرحلة خطيرة وحساسة، وهناك قوى خارجية وداخلية تعمل على تفكيك وطننا اجتماعيا وجغرافيا بما يخدم مصالحها، لا مصالحنا”.
وتابع أن "النسيج السوري المتماسك هو قوة هذا الوطن، وحضارتنا الممتدة عبر التاريخ أثبتت أننا شعب يعرف معنى التعايش والاحترام المتبادل بين جميع مكوناته".
وأضاف أن الحوار هو الطريق إلى الحل والجميع متفق على وحدة سوريا واستقرارها وأمنها، ودعا إلى ترك المفاوضات تأخذ وقتها بين الأطراف والحكومة، والابتعاد عن الخطاب التصعيدي والتهديد والحرب التي سيخسر فيها الجميع، واللجوء إلى الحوار والتفاهم.
وختم رسالته قائلاً: "نعلم أن القوى الدولية هي الفاعل الأساسي في المشهد السوري، ولذلك نرفض أن نكون نحن العشائر وقودًا لمعارك الآخرين، فلنبنِ وطننا بأيدينا، ولنعزز مكانتنا في سوريا الجديدة التي نريدها لكل السوريين بلا استثناء".
وبحسب إحصائيات غير رسمية يقدر وجود ما بين 25 و40 قبيلة عربية رئيسة في سوريا، تتوزع على مختلف المحافظات وتشكل جزءا مهما من التركيبة الاجتماعية، خاصة في الشرق والشمال والجنوب. ويرى مراقبون أن التصعيد في سوريا ودخول العشائر على خط المواجهة بين الأكراد ودمشق سيشعلان حربا أهلية، لا يمكن التكهن بمآلاتها، خصوصا وأن باقي الأقليات، من الدروز والعلويين وغيرهم، قد تتحرك لنصرة الأكراد.
وتلعب تركيا دورا أساسيا في التصعيد ضد "قسد"، و"تجلى ذلك في العديد من التحرشات والاستفزازات ضد نقاط قسد العسكرية في ريف حلب الشرقي"، من قبل "الجيش الوطني" المدعوم تركيًا.
وقالت مصادر مقربة من "قسد" لـ "إرم نيوز" في وقت سابق، إن تصاعد الاستفزازات والتوترات الأخيرة بين حكومة دمشق و"قسد" يرتبط بشكل خاص بزيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى دمشق، ثم الزيارة التي قام بها وفد سوري إلى أنقرة يوم الأربعاء.
وضم الوفد وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة ورئيس الاستخبارات حسين سلامة، وتركزت المباحثات بشكل خاص على ملف "قسد" وانتهى بإطلاق تصريحات حملت لهجة تهديدية ضدها.
ولوحت دمشق وأنقرة بالتصعيد في ملف "قسد"، بعد تعثر المفاوضات الأخيرة بين دمشق و"قسد"، فيما اتهم فيدان "قسد" بمواصلة تجنيد مقاتلين من خارج سوريا، والمحافظة على جاهزيتها العسكرية رغم المفاوضات.