أثار توجه البنك المركزي العراقي مخاوف اقتصادية وتنظيمية، بعد الإعلان عن إطلاق مشروع "البطاقة الوطنية للدفع الإلكتروني"، وهو نظام مدفوعات داخلي يُدار محلياً بعيداً عن الشبكات العالمية، مثل: "فيزا" و"ماستر كارد".
وجاء المشروع في توقيت حساس تمر به البلاد، حيث تشهد العلاقة بين بغداد وواشنطن فتوراً متصاعدًا، انعكس، مؤخراً، على القطاع المالي، تحديداً بعد أزمة رواتب الحشد الشعبي.
وعلى مدار الأيام الماضية، ظل عشرات الآلاف من منتسبي هيئة الحشد الشعبي بانتظار رواتبهم، وسط حالة من الغموض بشأن أسباب التأخير.
ووفق مصادر متعددة، فإن الرواتب كانت مرتبطة بمصرف معتمد خاضع لرقابة دولية، قبل أن تتوقف التحويلات فجأة، ما أجبر الحكومة على اللجوء إلى مصرف بديل لإتمام الدفعات، دون أن تُكشف تفاصيل هذا التغيير أو الجهة التي موّلت العملية.
وتذهب تحليلات وبيانات إلى أن واشنطن تسعى عبر أدواتها المالية والرقابية إلى دفع الحكومة العراقية باتجاه فرز عناصر الفصائل والميليشيات المسلحة عن الهيكل الإداري الرسمي لهيئة الحشد الشعبي، كخطوة أولى قبل التوجه نحو دمج الحشد بشكل كامل ضمن المؤسسات الأمنية التقليدية.
ولم تكن جميع شركات الدفع مستعدة للتعامل مع المسار الجديد، إذ امتنعت عدة شركات عن صرف الرواتب، مبررة ذلك بمخاوف من صعوبة تسوية المبالغ أو التعرض لمساءلة لاحقة، في حين وافقت شركات محدودة على إجراء التوزيع.
وأكد البنك المركزي العراقي أن المشروع الجديد "لا يلغي التعامل بالبطاقات الدولية"، وأنه "خيار محلي إضافي يستخدم داخل العراق بالدينار فقط"، مبيناً أن الهدف هو "خفض التكاليف، وتعزيز الشمول المالي، وتوفير بدائل للمواطنين".
لكن بعض المختصين يرون أن التحول بهذا الاتجاه، دون إستراتيجية شاملة وواضحة، قد يفتح الباب أمام مشاكل من نوع جديد، خاصة في حال عدم الالتزام الكامل والواضح بمعايير الأمان والامتثال، ما يؤدي إلى ثغرات تُستغل في ابتكار أساليب احتيال حديثة، كما حدث في تجارب سابقة.
بدوره، قال الباحث في الشأن الاقتصادي سرمد الشمري إن "التوجه نحو إنشاء شركة داخلية لإدارة منظومة الدفع الوطني، دون وجود شراكات دولية أو ضمانات رقابية، قد يفتح الباب أمام فرض عقوبات أو إجراءات مالية غربية، خاصة في حال ارتبطت المنظومة الجديدة بشكل أو بآخر بجهات محلية خاضعة لمساءلة دولية، أو تم استغلالها من قبل الفصائل المسلحة لتجنب الرقابة".
وأضاف الشمري لـ"إرم نيوز" أن "الخطوة الأفضل للعراق ليست الانعزال النقدي، بل تطوير البنى التحتية الرقمية، وتكثيف المواءمة مع البنوك العالمية، بما يجعل السوق العراقية أكثر جاذبية للتعاملات الدولية، وأقل عرضة للاشتباه أو العزلة".
وتعيد هذه التطورات إلى الواجهة النقاش حول قدرة العراق على التحرر من قيود المنصات الدولية خاصة في ظل استمرار اعتماد الدولة شبه الكامل على الدولار، وتخزين الاحتياطات في حسابات تخضع لرقابة وزارة الخزانة الأمريكية.
بدوره، نفى مصدر في البنك المركزي العراقي وجود أي علاقة بين إطلاق مشروع "البطاقة الوطنية للدفع الإلكتروني" والتلكؤ الذي حصل في صرف رواتب هيئة الحشد الشعبي خلال الفترة الماضية.
وأوضح المصدر الذي طلب حجب اسمه لـ"إرم نيوز" أن "المشروع خُطط له منذ أكثر من عامين، وهو جزء من برنامج التحول الرقمي وتوسيع أدوات الدفع داخل العراق، ولا يرتبط بأي تطورات آنية أو ظرفية، بما في ذلك ما حصل في ملف رواتب الحشد".
وبيّن أن "توقيت إطلاق المنظومة الجديدة يتماشى مع الجدول الزمني الذي تم الاتفاق عليه سابقاً مع المصارف ومزوّدي خدمات الدفع".
وأضاف أن "أزمة رواتب الحشد لا علاقة لها بالمشروع الجديد لا من حيث التوقيت، ولا من حيث الأهداف". وأكد أن "الربط بين الأمرين غير دقيق، ويعكس قراءة سياسية لا تستند إلى المعطيات المصرفية الفعلية" وفق تعبيره.