لقي نحو 400 مهاجر حتفهم، مساء العاشر من سبتمبر/ أيلول، عندما هطلت الأمطار الغزيرة الناجمة عن العاصفة "دانيال" على ليبيا، وتسببت في انهيار سدين في درنة كانا من المفترض أن يوفّرا الأمان للمدينة الساحلية.
وجرفت السيول آمال أكثر من 8000 مهاجر، معظمهم من تشاد ومصر والسودان، كانوا يتخذون من مدينة درنة موطنًا لهم، وفق إحصائية للمنظمة الدولية للهجرة، أوردتها وكالة "رويترز".
وبعد مرور أكثر من عقد على الإطاحة بنظام الرئيس الراحل معمر القذافي، في انتفاضة دعمها حلف شمال الأطلسي، أصبحت ليبيا نقطة انطلاق رئيسة للمهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا، لكن العديد منهم يبقون أيضًا للعمل في ليبيا، حيث يعتمد الاقتصاد على النفط.
وفي الوقت الذي قال فيه مسؤول في وزارة الهجرة المصرية إن السلطات انتشلت 112 جثة لمصريين بعد السيول، فيما اعتبر 291 آخرون في عداد المفقودين، قدّر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن أكثر من 110 سوريين لقوا حتفهم في السيول.
وتحولت صفحات على "فيسبوك" كان يستخدمها السوريون في ليبيا للعثور على وظائف، إلى وسيلة للبحث عن المفقودين عبر الإنترنت.
ونشرت صور لرجال ونساء بل وأطفال ما زالوا في عداد المفقودين، مع نداءات يائسة للمساعدة، وأرقام هواتف للتواصل.
لكن خلال أيام، عادت من جديد الرسائل المعتادة على هذه المنصة، مثل تعليق لسوري يستفسر عن راتب الحلاقين في المدن الليبية، وآخر لامرأة تسأل عن معلومات حول السكن من أجل إحدى صديقاتها، وحملت بعض الردود نصائح، فيما كتب آخرون "لا تأتوا".
المهاجر السوري عمار كنعان، كان يقطن داخل شقة صغيرة في الطابق الأول في إحدى بنايات مدينة درنة، وأحجم عن محاولة محفوفة بالمخاطر لعبور البحر المتوسط إلى أوروبا خشية أن يغرق مثل كثيرين لاقوا هذا المصير.
وبعد فراره من سوريا قبل عامين تجنبًا للخدمة العسكرية في بلد تمزقه حرب مستمرة منذ 12 عامًا، وجد "كنعان" وظيفة ثابتة في متجر للحلويات في المدينة الليبية، وعاش مع زميليه السودانيين في السكن على بعد أمتار قليلة من مجرى نهر درنة.
لكن هذا الشهر، غرق الشاب كنعان (19 عامًا) مع آلاف آخرين عندما جرفت السيول مساحات واسعة من المدينة، وفُجعت الأسر التي كانت تعتمد على ما يرسله هؤلاء الشبان من مال في أبنائها، حتى أنها لم تجد بعد جثثهم لدفنها.
وقال أسامة عمُّ "كنعان"، البالغ من العمر (24 عامًا)، والذي انتقل من سوريا إلى مدينة بنغازي الليبية هذا العام: "لم يذهب للبحر. البحر جاء إليه. مات وغرق".
وعندما بدأت العاصفة، بعث "كنعان" رسالة نصية إلى عمّه أسامة، قال فيها: "الله يساعدنا، هذا أفضل شيء"، لكن الرسائل التالية التي كانت بعد لحظات قليلة ظلت غير مقروءة، وبحلول الصباح، لم تكن رسائل "أسامة" على تطبيق "واتس آب" تصل إلى هاتف "كنعان".
أما خليل (61 عامًا)، وهو عامل مصري يعيش في درنة، فيتذكر مشهد تدفق شلالات من المياه وهي تطيح بالسيارات لترتطم بالمباني.
وقال: "كنت أعرف كل المصريين الذين كانوا هنا، مات الكثير منهم".
وعبرت أعداد متزايدة من المصريين البحر المتوسط من ليبيا، خلال الأعوام الماضية، بحثًا عن فرص أفضل، لكن بعضهم، مثل آخرين من جنسيات أخرى، يبقون في ليبيا للعمل.
بدوره، قال "علام"، وهو عامل بناء مصري يعيش في درنة منذ 3 أعوام، إنه فقد 10 من أصدقائه في الكارثة، مؤكدًا: "دي مش درنة إللي نعرفها، اختفى وسط المدينة كله".