قال مراقبون إن قرار القضاء الفرنسي بالإبقاء على توقيف مسؤول جزائري متهم باختطاف المعارض أمير دي زاد على الأراضي الفرنسية، يُمثّل تصعيدًا خطيرًا في مسار التوترات المتزايدة بين باريس والجزائر، وسط اتهامات متبادلة وتلويح بطرد دبلوماسيين.
ويرى الخبير الفرنسي في العلاقات الدبلوماسية جون مارك دولافير، في حديث لـ"إرم نيوز"، أن "الإبقاء على توقيف الدبلوماسي الجزائري هو بمثابة رسالة مزدوجة: الأولى موجهة إلى الجزائر بأن العبث بأمن المعارضين على الأراضي الفرنسية لن يمرّ دون محاسبة، والثانية إلى الداخل الفرنسي لطمأنة الرأي العام بشأن سيادة الدولة وعدالة مؤسساتها".
وأضاف أن "هذه الأزمة، التي تلبس لبوسًا قضائيًّا، تخفي في عمقها أزمة ثقة سياسية وهيكلية بين باريس والجزائر يصعب احتواؤها في المدى القريب".
وقررت السلطات القضائية الفرنسية الإبقاء على توقيف المشتبه به الرئيسي في قضية محاولة اختطاف المعارض الجزائري الشهير "أمير دي زاد"، واسمه الحقيقي أمير بُوخُرس، وهي القضية التي تثير منذ أسابيع توترًا متصاعدًا بين باريس والجزائر.
ورفضت محكمة الاستئناف في باريس، يوم 28 أبريل، طلب الإفراج المؤقت عن الموظف القنصلي الجزائري الموقوف منذ 11 أبريل، والمتهم بالضلوع في عملية الاختطاف المفترضة، والتي تقول السلطات الفرنسية إنها "تمّت بأوامر من جهات رسمية في الجزائر".
وكان أمير بُوخُرس، البالغ من العمر 41 عامًا، قد حصل على حق اللجوء السياسي في فرنسا عام 2023 بعد انتقادات حادة وجهها للنظام الجزائري من خلال منصاته على مواقع التواصل الاجتماعي، ما جعله من أبرز الوجوه المعارضة بالخارج.
وفي تفاصيل الواقعة، جرى اختطاف بُوخُرس في 29 أبريل 2024، حيث احتُجز لمدة 27 ساعة من قِبل مجموعة من الأشخاص الذين يُعتقد أنهم يعملون لصالح الدولة الجزائرية.
وأفاد مكتب الادعاء الوطني لمكافحة الإرهاب في فرنسا أن 3 أشخاص، أحدهم يعمل في قنصلية جزائرية، وُضعوا رهن التحقيق الرسمي بتهم تتعلق بـ"الاعتقال والاحتجاز والاختطاف التعسفي المرتبط بعمل إرهابي"، وأُمر بإيداعهم الحبس الاحتياطي.
وفي رد فعل سريع، أعلنت الجزائر في 14 أبريل/نيسان طرد 12 دبلوماسيًّا فرنسيًّا، لترد باريس في اليوم التالي بطرد مماثل لـ12 دبلوماسيًّا جزائريًّا، إضافة إلى استدعاء سفيرها في الجزائر للتشاور، مما يعكس حجم الاحتقان بين الجانبين.
وأكد المحامي إيريك بلوفييه، الذي يتولى الدفاع عن أمير، أن ما جرى "يُعدّ انتهاكًا خطيرًا للسيادة الفرنسية من قِبل قوة أجنبية"، معتبرًا أن العملية تُظهر "محاولة ترهيب سياسي سافرة".
وفيما تتواصل التحقيقات، تزداد التسريبات التي تفيد بأن عملية الاختطاف نُفّذت بأمر مباشر من أعلى مستويات السلطة الجزائرية، في إشارة إلى الرئيس عبد المجيد تبون نفسه، بحسب مصادر مطلعة.
من جهته، يرى الباحث والمحلل السياسي الفرنسي بيار لوفافر، المتخصص في شؤون شمال أفريقيا بمعهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IRIS)، لـ"إرم نيوز"، أن هذه القضية تكشف هشاشة التفاهمات الأمنية بين فرنسا والجزائر، وتضع التعاون الثنائي في مواجهة اختبار غير مسبوق.
ويضيف لوفافر أن "ما حدث يتجاوز مجرد حادثة جنائية أو خرق دبلوماسي، بل يعكس اتجاها جديدًا مقلقًا، وهو نقل الصراع السياسي الداخلي في الجزائر إلى الخارج، تحديدًا إلى الأراضي الأوروبية"، مشيرًا إلى أن هذا النمط من الممارسات بات يثير قلقًا بالغًا داخل الأوساط الأمنية الفرنسية.
وبحسب لوفافر، فإن الاحتفاظ بالمشتبه به رهن الاحتجاز القضائي يعكس تصميم باريس على رسم خطوط حمراء جديدة في التعامل مع الأنشطة الاستخباراتية الأجنبية على أراضيها، ولا سيما حين تكون موجهة ضد معارضين سياسيين يتمتعون بوضع قانوني محمي مثل اللجوء السياسي.