تواصل إسرائيل مساعيها لتطوير أنظمتها الدفاعية لمواجهة التحديات الأمنية المتعلقة بالصواريخ الدقيقة والطائرات المسيَّرة، خاصة مع تزايد التحذيرات من نقل إيران لتقنيات عسكرية عالية الدقة للبنان، وسوريا، وقطاع غزة.
ومنذ سنوات، بدأت إسرائيل بالعمل على تجارب لإنتاج أنظمة دفاعية باستخدام الليزر، كما تسعى جاهدة لإدخال المنظومة الجديدة في الخدمة بحلول السنوات المقبلة، على أن تبدأ بنشرها على الحدود الجنوبية مع قطاع غزة بعد 3 سنوات على أبعد تقدير.
استثمار ضخم
وفي السياق، أكدت صحيفة "جيروزالم بوست" العبرية، أمس الخميس، أن وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، وافق على استثمار ضخم بمئات الملايين من الشواكل، من أجل استكمال تطوير وإنتاج نظام ليرز قوي لاعتراض الصواريخ والطائرات المسيرة.
وقال بيان صادر عن مكتب غانتس، إن "وزير الدفاع زار، اليوم، شركة رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة واطلع لأول مرة على جهاز الليزر ذي الطفرة التكنولوجية المتطورة للنظام الأمني ولحماية الإسرائيليين.
وتعليقًا على ذلك، قال غانتس: "نخطو، اليوم، خطوة دراماتيكية ومهمة نحو تغيير ساحة المعركة، ورفع مستوى أمن السكان الإسرائيليين في مواجهات التحديات المتزايدة على حدودنا مع غزة ولبنان وسوريا، في ظل التهديد الإيراني والمنظمات الإرهابية"، بحسب قوله.
وأضاف غانتس أن"الليزر القوي هو تغيير إستراتيجي في الحماية الممنوحة للجبهة الداخلية، وسيمنح مرونة تشغيلية للجيش، وإستراتيجية للمستوى السياسي، وإلى جانب إنجازه العملياتي والأمني، فإنه سيمنحنا أيضًا مكاسب اقتصادية كبيرة من خلال التعاون مع العديد من الدول في العالم".
وبحسب الصحيفة العبرية، فإن "هذه المنظومة توصف بأنها خفيفة وفعالة وغير مكلفة مقارنة بوسائل الدفاع الأخرى مثل القبة الحديدية، وغيرها"، مشيرة إلى أن هذا النظام من شأنه اعتراض مجموعة من التهديدات الجوية التي تستهدف إسرائيل.
بداية التجارب
وبدأت إسرائيل تجاربها على تطوير نظام الليزر منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث قامت بتطوير الليزر التكتيكي عالي الطاقة "نوتيلوس"، فيما تمكنت، في كانون الثاني/يناير العام 2020، من الإعلان عن تطور جديد في المشروع.
وفي حينه، نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، عن وزارة الدفاع الإسرائيلية، قولها، إنها طورت القدرة على اعتراض الصواريخ باستخدام ليزر قوي، وذلك بعد عقود من المحاولات الفاشلة، والجهود المشتركة مع الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من ذلك، إلا أن إسرائيل لا تزال تستخدم منظومة الدفاع الجوي المعروفة باسم "القبة الحديدية" لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى، ومنظومة "مقلاع داوود" لاعتراض الصواريخ الصغيرة والمتوسطة، ومنظومة "آرو" (حيتس)، المخصصة لتدمير الصواريخ الباليستية، والصواريخ البعيدة المدى.
ومطلع العام الجاري، قالت مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية، إن "شركة الدفاع الإسرائيلية رافائيل استأنفت أعمال البحث والتطوير على نموذج أولي للدفاع الصاروخي باستخدام الليزر في 2009، وإنها كشفت عن نموذج مفهوم مبكر، يطلق عليه اسم الشعاع الحديدي في معرض سنغافورة الجوي 2014".
تكلفة المنظومة الدفاعية
ووفق التقديرات الإسرائيلية، فإن تكلفة استخدام الليزر قد تكون أقل 10% من استخدام الصاروخ الاعتراضي، ما يعني أن تشغيل الليزر والصواريخ الاعتراضية معًا في القبة الحديدية، أثناء الطقس الجيد، سيقلل التكلفة الإجمالية.
كما أن أنظمة الليزر تعمل أسرع من الصواريخ، أي أن نشرها بالقرب من الحدود "المعادية" قد يسفر عن تقليل وقت الاعتراض؛ بحيث لن يضطر القائمون على تشغيل المنظومة لانتظار إطلاق الصاروخ وتحليقه في السماء باتجاه الهدف.
وبحسب مجلة "ناشيونال إنترست"، أنه "عند احتساب السعر فإن كل اعتراض من القبة الحديدية يكلف حوالي 100000 دولار إلى 150.000 دولار للصاروخ الواحد في حين تبلغ كل ضربة اعتراضية للشعاع الحديدي حوالي 2000 دولار فقط".
تطور إسرائيلي
بدأت إسرائيل بإخضاع المنظومة الدفاعية الجديدة للتجارب، في حزيران/يونيو الماضي، وهي عبارة عن سلاح يعمل بتقنية الليزر المحمول جوًا، حيث إن لديه القدرة على إسقاط الطائرات المسيرة والصواريخ الدقيقة.
وبحسب تقرير سابق لصحيفة "جيروزالم بوست"، فإن منظومة الليزر الإسرائيلية تعمل عبر تثبيت نظام الليزر على طائرة مدنية خفيفة من طراز "سيسنا" لاعتراض أهداف غير مأهولة على نطاقات وارتفاعات مختلفة.
ووفقًا لوزارة الدفاع الإسرائيلية، فإن "التجارب التي أجريت نجحت في اعتراض وتدمير 100% من الطائرات دون طيار التي تم إطلاقها أثناء الاختبار".
وجاءت تلك التجارب ضمن المرحلة الأولى من برنامجٍ مدته عام، لتطوير نظام ليزر محمول جوًا، من شأنه أن يضيف مستوى إلى نظام الدفاع الإسرائيلي متعدد المستويات، ويكمل قدرات أنظمة القبة الحديدية "ديفيد سلينغ"، ونظام "أرو".
وترى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، أن استخدام أشعة الليزر سيكون الحل الوحيد الفعال لمواجهة الخطر الصاروخي الذي تقول إسرائيل إنها عرضة له، لكن الخبراء يرون أن هذا الحل يحمل أوجه قصور عديدة، ولا يمكن استخدامه قريبًا.
انتقادات حادة
وفي كانون الثاني/يناير الماضي، واجهت المنظومة الإسرائيلية انتقادات من جانب خبراء في هذا المجال، حيث رأى الخبراء أن الحديث يجري عن واحدة من أضعف النظم الدفاعية التي يمكن الاستعانة بها لمواجهة الخطر الصاروخي، وفقًا لما أوردته صحيفة "معاريف" العبرية، في حينه.
وفي شباط/فبراير الماضي، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، إن "بلاده تسرّع بنشر صواريخ اعتراضية تعمل بتقنية الليزر ضمن خطة لإحاطة نفسها بمثل هذه التقنية، وخفض التكاليف الباهظة التي تتكبدها حاليًا عند إسقاط صواريخ العدو"، وفق قوله.
وأضاف بينيت، في حينه: "قوات الدفاع الإسرائيلية في غضون عام ستشغل نظام اعتراض يعمل بالليزر، تشغيلًا تجريبيًا أولًا قبل استخدامه في العمليات في الجنوب أولًا ثم في الأماكن الأخرى".
وعلى إثر تصريحات بينيت، قالت صحيفة "التايمز" البريطانية، إن "معظم مسؤولي الدفاع الإسرائيليين لا يتفقون مع خطة بينيت، وأبدوا اعتراضهم بأن الإطار الزمني الذي قدّمه رئيس الوزراء كان مفرط التفاؤل، وقد يستغرق الأمر 3 أعوام حتى يعمل نظام الليزر بكامل طاقته".
وبينت أنه " كان عدد من البلدان يجري تجارب على أنظمة أسلحة الليزر"، على مدى العقود القليلة الماضية، مستدركةً: "لكن في معظم الحالات وجد أنها مرهقة للغاية أو تكلفتها عالية وباهظة، وهو أمر انتقده المسؤولون الإسرائيليون".
ومن ناحيتها، قالت صحيفة "هآرتس"، العبرية، إن "المسؤولين انتقدوا صيغة بينيت السحرية لمحاربة إيران، والطريقة التي قدمها بها، ووصفوها بأنها غير مسؤولة، ومضللة للجمهور، حيث يزعم بينيت أن 70% من المشاكل الأمنية لإسرائيل تنبع من إيران".
وقالت الصحيفة إن"نهج بينيت الجديد يتمثل في اتخاذ إجراءات تدريجية في محاولة لاستنفاد قوة إيران، وإرهاقها، وإضعاف الطاقة المتزايدة التي ترسلها لوكلائها، حيث يؤكد بينيت أن المؤسسة الدفاعية الجديدة ستغير تركيزها لرأس الأخطبوط الإيراني، بدلًا من محاربة وكلاء النظام في لبنان وغزة".
وأضافت الصحيفة "أنه وفقًا لتفسير بينيت المبسط، فإن المبالغ الضخمة المطلوبة لتحقيق هذا الهدف ستأتي من النمو الاقتصادي المتسارع لإسرائيل، حيث يرى أن الأموال المتراكمة ستعمل على تقوية الجيش ليتمكن من القيام بعمليات كبيرة ضد إيران".
وأشارت الصحيفة العبرية، في حينه، إلى أن ذلك "يؤدي لتقليص المواجهات العسكرية في المنطقة"، معتبرًا أن الهدوء سيمكن الاقتصاد من مواصلة النمو.