تتزايد الضبابية بشأن فرص عقد الانتخابات الليبية مع اقتراب موعدها المحدد في 24 ديسمبر 2021، وفق الاتفاق السياسي الذي عقد في جنيف وأسفر عن تشكيل حكومة وحدة وطنية ومجلس رئاسي لإدارة الفترة الانتقالية حتى الوصول للاستحقاق الانتخابي.
وشهدت الأيام الأخيرة عاصفة من المواقف الحادة بخصوص العملية الانتخابية بين الأطراف الليبية على خلفية النزاع حول مشروعية قانون الانتخابات الرئاسية الذي أقره البرلمان الليبي، رغم تواتر الدعوات الإقليمية والدولية لضرورة إجراء الانتخابات في موعدها.
ودعت عدة فعاليات سياسية في منطقة الغرب الليبي إلى عدم إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المقرر على اعتبار أن إجراءها قبل إيجاد قاعدة دستورية بمثابة إعادة للديكتاتورية، وفق تعبيرهم.
وتبنى تلك الدعوة كل من الاتحاد الوطني لعمال ليبيا والهيئة الطرابلسية وعدد من أعضاء مجلس النواب، وفق بيانات منفصلة.
في المقابل رأى مؤيدون لإجراء الانتخابات أن تلك الدعوات تقف وراءها قوى الإسلام السياسي وجماعة الإخوان خوفا من خسارة السباق الانتخابي.
دعوات للمقاطعة
في هذا السياق دعا رئيس المجلس الأعلى للدولة (استشاري) خالد المشري إلى مقاطعة الانتخابات، مهددا باللجوء إلى ما سماه "حراك الشارع المدني"، وإلى إقامة اعتصامات أمام مقر المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.
وقال المشري، خلال اجتماع وزارة الحكم المحلي مع مسؤولين وعمداء بلديات في طرابلس، الثلاثاء: "ندعو إلى عدم المشاركة في الانتخابات المقبلة، لا ناخبين ولا مرشحين، وندعو إلى اعتصامات أمام مقر المفوضية والبعثة الأممية ومقرات الحكومة ومجلسي الدولة والنواب وفي الميادين لرفض الانتخابات".
وتوعد المشري بما وصفه "بركان الغضب"، احتجاجا على قوانين الانتخابات التي وصفها بـ" المعيبة".
والمشري عضو سابق في جماعة الإخوان المسلمين، أعلن الاستقالة منها في منتصف العام 2019، ويعد أحد أبرز الوجوه السياسية لعملية فجر ليبيا التي رفضت الاعتراف بمجلس النواب المنتخب سنة 2014 وسيطرت على العاصمة طرابلس بقوة السلاح.
الطعن في القانون
وقبل دعوة المشري كان رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة قد هدد بالطعن في قانون الانتخابات الرئاسية أمام القضاء معتبرا أن به مادة تمييزية قد تمنعه من الترشح لمنصب الرئاسة.
وبحسب ما أفادت وكالة الأنباء الإيطالية "نوفا" الإيطالية للأنباء، فقد وجه رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة رسالة إلى رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السايح، يهدد فيها بالطعن في قانون الانتخابات الرئاسية.
ونقلت الوكالة عن مصادر في الحكومة الليبية أن الدبيبة أوضح في رسالته أنه "تلقى مذكرة موقعة من 57 نائبا تطالب بتعديل المادة 12 المثيرة للجدل من القانون الانتخابي"، الذي اعتمده رئيس البرلمان عقيلة صالح في سبتمبر الماضي.
وتنص المادة 12 على تخلي المترشح عن أي منصب يشغله لمدة 3 أشهر قبل موعد الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 24 كانون الأول / ديسمبر المقبل، وهو ما دفع الدبيبة إلى التلويح باللجوء إلى المحاكم الليبية المختصة، معتبرا المادة 12 "تمييزية وتنتهك مبدأ تكافؤ الفرص".
دعم إقليمي ودولي
في المقابل، تتزايد الدعوات الإقليمية والدولية لضرورة عقد الانتخابات في موعدها المقرر 24 ديسمبر، كمحطة فارقة في طريق الاستقرار السياسي في ليبيا بعد سنوات من الفوضى والحروب المتتالية.
وفي هذا الصدد قال المبعوث الأمريكي إلى ليبيا وسفير واشنطن في طرابلس ريتشارد نورلاند إن بلاده تدعم "الغالبية العظمى من الليبيين الذين يريدون المشاركة في انتخابات سلمية في 24 ديسمبر، ولهم رأي في مستقبل ليبيا موحدة ومستقرة دون تدخل أجنبي".
كما أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال اتصال هاتفي أجراه أمس الثلاثاء مع رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، أن القاهرة حريصة على ”تعزيز التنسيق الوثيق مع الجانب الليبي خلال الفترة الحالية لضمان توحيد المؤسسات الليبية وصولاً إلى عقد الانتخابات الوطنية في موعدها المحدد في 24 ديسمبر من العام الجاري، بناءً على القوانين التي أقرها البرلمان الليبي، وذلك كخطوة مهمة وفارقة للانتقال بليبيا إلى واقع جديد ونظام سياسي مستدام يستند إلى إرادة الشعب الليبي باختيارهم الحر“.
وكررت كل من مصر وأمريكا موقفيهما، في بيان مشترك لوزيري خارجيتي البلدين، أنتوني بلينكن وسامح شكري، قالا فيه إن الولايات المتحدة ومصر شددتا على ضرورة إجراء الانتخابات الليبية في موعدها، مؤكدتين دعمهما خطة عمل اللجنة العسكرية الليبية المشتركة ”5 + 5“ لإخراج كافة القوات الأجنبية والمقاتلين المرتزقة من الأراضي الليبية.
اتهامات بالعبث
وفي خضم السجال الدائر بين الأطراق السياسية المتباينة المواقف، اعتبر النائب الليبي السابق، رئيس الهيئة العليا لتحالف القوى الوطنية، توفيق الشهيبي، أن موقف النائب الأول لرئيس مجلس النواب فوزي النويري من قانون الانتخابات يعد "عبثا" بالنظر إلى أن النويري كان أحد الموافقين عليه قبل أن ينقلب مؤخرا ويطالب بتعديله.
وكان فوزي النويري وجه رسالة إلى رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السائح طالب فيها بالسماح للجميع بالترشح للانتخابات من دون التقيد بشرط التخلي عن الوظيفة قبل الانتخابات بـ3 أشهر (المادة 12)، فيما بدا أنه محاولة لإنقاذ محاولة رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة للترشح.
وقال الشهيبي، في تعليق عبر حسابه على تويتر: "السيد النويري شارك وساهم ووافق على قوانين الانتخابات المعتمدة من قبل مجلس النواب بل ورأس عددا من الجلسات التي أقرت فيها هذه القوانين، فما الذي حدث في الخفاء كي يحاول إلغاء مادة في قانون انتخاب الرئيس بعد أن بدأت المفوضية بشكل رسمي بالعمل بهذه القوانين؟؟ كفاكم عبثا".
العقوبات أو الحرب
ورأى متابعون للشأن الليبي أن المخرج الوحيد من الأزمة الحالية يتمثل في فرض الأطراف الدولية عقوبات على معرقلي العملية الانتخابية، لمنع أي تصعيد محتمل وتعطيل المسار الديمقراطي، وأن البديل عن ذلك قد يكون حربا جديدة مدمرة.
وقال الصحفي الليبي معتوق صالح: "لو بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا ما تتخذش إجراءات حاسمة وشديدة تجاه من يعرقلون انتخابات ديسمبر وهنا أقصد المشري والإخوان فإن ليبيا مقبلة على حرب أشد شراسة من ذي قبل".
وأضاف، في تغريدة على تويتر: "سيبدأون بإصدار البيانات، تليها الاجتماعات، ثم الاعتصامات. وفي حال فشلوا في الوصول لمبتغاهم، سترون التفجيرات والمفخخات. عن إخوان ليبيا والانتخابات أتحدث".
لكن المحلل السياسي، المختص في الشأن الليبي كامل عبدالله رأى أن الحرب لا الانتخابات هي السيناريو الأقرب، مع تمسك الأطراف بمواقفها وعدم إمكانية التراجع، لأن فيه نهايتها السياسية.
وقال عبدالله، في تصريح لـ"إرم نيوز": "كل طرف من الأطراف الليبية وافق على الدخول في العملية السياسية بغية الحصول على مكاسب لم يستطع تحقيقها بالحرب، وفي حال لم تحقق له السياسة هدفه فسيعود للحرب من جديد، وهذا هو دأب الطبقة السياسية الليبية برمتها منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي".
وتابع: "سكان الغرب الليبي لن يوافقوا بأي شكل من الأشكال على انتخابات تفرز حفتر رئيسا، بسبب ذكريات حرب طرابلس التي خسروا فيها المئات إن لم يكن الآلاف من أبنائهم، وبنفس الوقت فسكان الشرق والجيش الوطني غير مستعدين للتنازل عن امتيازاتهم لصالح رئيس من الغرب".