أظهرت وثائق بريطانية عن حرب حزيران 1967، نشرتها شبكة BBC، اليوم السبت، أن لندن رفضت خطة عرضتها واشنطن لتشكيل قوة عسكرية أمريكية بريطانية مشتركة لإنهاء الإغلاق الذي فرضه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر على مضائق تيران، وضمان حرية الملاحة في خليج العقبة، وأن بريطانيا كانت تخشى من 4 عواقب بعيدة المدى لو سُمح بانتصار مصر في أزمة إغلاق المضيق التي أشعلت الحرب، على الوضع العام في المنطقة.
ويأتي الكشف عن هذه الوثائق في الذكرى 54 للحرب التي شنتها إسرائيل في الخامس من حزيران/ يونيو 1967 ردًا على إغلاق مصر خليج العقبة، واستمرت 6 أيام احتل فيها الجيش الإسرائيلي سيناء وقطاع غزة من مصر، وكذلك الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية من الأردن، ومرتفعات الجولان من سوريا.
اقتراح قوة عسكرية أمريكية بريطانية
وفي التقارير التي جرى الكشف عنها أنه بمجرد إغلاق مصر خليج العقبة عبر مضيق تيران، طُرحت أفكار مختلفة لإنهاء الإغلاق وضمان حرية الملاحة. لكن الحكومة البريطانية برئاسة هارولد ويلسون رفضت، قبل أيام من الحرب، خطة أمريكية تقضي بتشكيل قوة أمريكية بريطانية مشتركة لإنهاء إغلاق مصر مضيق تيران.
وفي اجتماع عُقد يوم 30 مايو/آيار (قبل الحرب بخمسة أيام)، قرر مجلس الوزراء، بعد استعراض قدمه وزير الخارجية، أن الأولوية هي "حماية مصالح بريطانيا الاستراتيجية". واتفق الوزراء على أنه "مهما تعاطفنا مع إسرائيل، فإن مصالحنا الاقتصادية تقع بشكل أساسي في الدول العربية وخاصة تلك التي نعتمد اعتمادًا هائلا على نفطها".
ووفق محضر الاجتماع فقد جرى التأكيد "على أن التغييرات التي حدثت الآن في الأوضاع العسكرية من جانب الدول العربية وخاصة الجمهورية العربية المتحدة مثلت تغييرًا دائمًا في ميزان القوة في الشرق الأوسط، في غير فائدة إسرائيل، وهذا ما يجب أن تقبله إسرائيل والقوى الغربية".
غير أن هذا القبول كان مشروطًا بأنه "يجب علينا السعي إلى ضمان ألا يؤدي هذا التغيير إلى سلسلة أخرى من الانتصارات العربية التي تهدد وجود إسرائيل".
ويشير محضر الاجتماع إلى انتهاء النقاش إلى التالي: "نضع في الاعتبار هذه المصالح ومصالحنا الأوسع في تجنب صراع دولي في هذه المنطقة كما في أي مكان آخر. ولذا، فإنه من الأهمية الحاسمة بالنسبة لنا ضرورة تجنب المشاركة في قوة إنجليزية أمريكية، تتكون فقط من الدولتين، كي نضمن بفعالية حرية الملاحة في خليج العقبة".
كما اتفق على "تجنب اتخاذ الدور القيادي في السعي لتشكيل قوة متعددة الجنسيات بشكل كامل لتحقيق هذا الغرض".
ونصحت الخارجية بالتالي: "أولا: يجب أن نظهر استعدادًا لأداء دور كبير في العمل بطريقة تتسم بقدر كبير من الطبيعة الدولية، داخل أو خارج الأمم المتحدة، للإبقاء على مضيق تيران مفتوحًا للشحن الدولي بما فيه الشحن البريطاني. ثانيًا: يجب أن نعمل دبلوماسيًا وفي الأمم المتحدة من أجل تسوية عادلة".
سيناريوهات مستقبلية
وكانت تقارير كثيرة تتحدث، آنذاك، عن حشد عسكري عربي تشارك فيه ليبيا والجزائر والعراق إلى جانب مصر وسوريا والأردن، ما أثار قلقًا من قدرة العرب على تغيير ميزان القوى في المنطقة.
غير أن مذكرة للخارجية البريطانية عبرت عن اطمئنانها على إسرائيل وأُلحق بالمذكرة تقرير بشأن السيناريوهات المحتملة لسير الأزمة.
وجاء في التقرير: "لو سُمح لمصر بأن تواصل إغلاق المضيق وتحتفظ بانتصارها الدبلوماسي والعسكري، فإن عواقب هذه الترضية ستكون بعيدة المدى".
وأضاف أنه من المحتمل أن تشمل العواقب الإطاحة بالنظام الأردني، وأن الأنظمة في الدول الأخرى ستصبح خاضعة لشروط عبد الناصر.
سحب الأرصدة والمقاطعة النفطية
وتشير الوثائق إلى تهديد العرب، يوم بدأت إسرائيل الحرب في 5 يونيو/ حزيران 1967، بسحب أرصدتهم بالجنيه الإسترليني من البنوك البريطانية للضغط على لندن حتى لا تؤيد إسرائيل.
وفي نفس اليوم التقى وزير الخارجية البريطاني مع السفراء العرب بناء على طلبهم. وخلال اجتماع مجلس الوزراء البريطاني في اليوم التالي، تحدث الوزير عن اللقاء. وحسب محضر الاجتماع، قال الوزير: "موقفهم المبدئي كان الاحتجاج القوي، وأكدوا أنهم سوف يوصون بشكل جماعي حكوماتهم بسحب الأرصدة بالجنيه الإسترليني".
غير أن المحضر نقل عن الوزير قوله إنه "نجح في تطمينهم بشأن الموقف البريطاني". وطمأن زملاءه قائلاً: "لن يتم تقديم هذه التوصية الآن".
لكن القلق استمر بسبب احتمال فرض العرب حظرًا على تصدير البترول، وهو ما حدث لاحقًا بالفعل، على الأوضاع الاقتصادية داخل بريطانيا. لكن وبعد 12 يومًا، عقدت الحكومة اجتماعًا برئاسة مايكل ستيوارت وزير الاقتصاد. وقال وزير الطاقة إنه لم يحدث تغيير كبير في إمدادات البترول.
تغيير خريطة الصراع
وتشير الوثائق إلى أنه وبعد أن انقشع الغبار واتضح أن الحرب الإسرائيلية غيرت خريطة الصراع في الشرق الأوسط، شُغلت بريطانيا بمستقبل مصالحها الاقتصادية في المنطقة. وبعد مناقشات على مختلف المستويات، قررت بريطانيا أن تتبع سياسة"التراجع عن الواجهة وتقليص الدور".
وقدمت وزارة الخارجية، في السابع من يوليو/تموز عام 1967، مذكرة إلى مجلس الوزراء بشأن "الاتجاهات العربية والمصالح الاقتصادية البريطانية في الشرق الأوسط".
ولخصت المذكرة النهج المقترح قائلة إن "العامل الحاسم في تحديد مستقبل مصالحنا الاقتصادية لا يتعلق بقدر كبير بما إذا كانت مشكلة العرب وإسرائيل سوف تواصل إثارة الاضطراب في المنطقة، بل بالدور الذي سوف تواصل بريطانيا أداءه. فكلما انسحب دورنا، بدت فرصنا أفضل على الأرجح والعكس بالعكس".