بينما كان أليكسي نافالني، أبرز المعارضين الروس، يكافح من أجل حياته في مستشفى في سيبيريا بعد أن تعرض للتسمم الأسبوع الماضي، احتل 3 رجال ملثمين مكتب كبير الأطباء، ورفضوا الكشف عن هويتهم.
لكن كانت ملابس الملثمين وسلوكهم "المريب"، مألوفا جدا لعائلة نافالني ومساعديه، الذين سرعان ما تعرفوا عليهم كأعضاء في أجهزة الأمن الروسية.
وقال إيفان زدانوف، مدير مؤسسة نافالني لمكافحة الفساد: "يبدو الأمر مضحكا حقا، حيث يمكن التعرف عليهم بسبب مظهرهم القوي وبنيتهم الجسدية الضخمة، والحقائب التي يحملونها في العادة".
وبحسب صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، تشير المراقبة القوية على نافالني، الذي كان في سيبيريا يقوم بأحد تحقيقاته في الفساد، التي يعرضها على موقع "يوتيوب"، إلى أن المعارض لا يزال يعتبر "شوكة في حلق" الكرملين بعد عقد من النشاط.
واشتكى نافالني، الذي سُجن 13 مرة لتنظيمه احتجاجات ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مقابلة مع الصحيفة البريطانية العام الماضي، من أن هناك رجالا تابعين لأجهزة الأمن الروسية يتبعونه وعائلته على مدار الساعة.
وقال: "لقد كان ذلك يحدث منذ مدة، ولكن لا يمكنني القول إن الأمر بات روتينيا، وإننا لا نولي اهتماما لذلك، فبعض الحمقى يجلسون بجانبي طوال الوقت، لكني لا أتوقف عن عيش حياتي، وعلى الرغم أن رد فعل الكثيرين على هذا الأمر هو التوقف عن العمل والاختباء، إلا أننا نستمتع بحياتنا قدر الإمكان".
وقال مساعدون رافقوا نافالني في رحلة سيبيريا وراقبوا المستشفى في "أومسك"، إنهم اعتادوا منذ فترة طويلة على أن تتبعهم سيارات لا تحمل لوحات واكتشاف رجال يحاولون إخفاء كاميرات الفيديو.
وأضاف زدانوف: "نحن نعلم أنهم يستمعون باستمرار إلى محادثاتنا الهاتفية، ونعلم أنهم وضعوا كاميرات خفية، وأنهم يأخذون تسجيلات كاميرات المراقبة في كل مكان نذهب إليه، لقد استجوبوا أقاربي، وكل من عقدت معهم اجتماعات، إنها سيطرة كاملة إلى حد ما".
ويوم أمس الإثنين، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحفيين، إن عمليات المراقبة هي "من اختصاص الأجهزة السرية، ولا يمكن ولا تنبغي الموافقة عليها" من قبل إدارة بوتين.
ويبدو أن أعمال المراقبة تعود إلى عام 2017، عندما بدأ نافالني السفر عبر روسيا في محاولة لتحدي حملة ترشح بوتين للرئاسة مرة أخرى.
وفي ذلك العام، بثت قناة "رين تي في"، وهي قناة يقال إن شركتها الأم مملوكة ليوري كوفالشوك حليف بوتين المقرب، فيلما وثائقيا يتهم نافالني بتلقي مدفوعات نقدية سرية من "النخبة الهاربة".
واستخدم الفيلم مقاطع فيديو مراقبة لنافالني في إجازة مع عائلته، والمكالمات الهاتفية والرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني المعترضة، ولقطات تعقب موظفيه في المقاهي.
وقال ديمتري بيلوسوف، وهو كاتب سيناريو سابق لـ"رين تي في" يسعى الآن للحصول على اللجوء في هولندا، إنه يعتقد أن أجهزة الاستخبارات قد أعطت اللقطات للقناة لتشويه سمعة نافالني ونشطاء آخرين.
وأوضح بيلوسوف، أن أليكسي مالكوف، كبير المنتجين السياسيين لـ"رين تي في"، تفاخر أمامه في وقت سابق بأن "معالجا" من جهاز المخابرات الروسية (إف إس بي)، الوكالة التي خلفت الـ"كيه جي بي"، زوده بمواد مراقبة للأفلام الوثائقية التلفزيونية الحكومية بتكليف من الكرملين.
وقام مالكوف بتحميل التسجيلات على خوادم "رين تي في" نفسه، تاركا بيلوسوف يملأ الفراغات في السيناريو بينما كان الصحفيون يطاردون فريق نافالني في الشارع طلبا للتعليق.
وقال بيلوسوف: "لقد التقى بشخص ما، وأحضر التسجيلات، وكانوا كأنهم يصنعون الفيلم بأنفسهم، فلا أحد يصنع تلك الأفلام بنفسه، فكل شيء يتم من أجل الحصول على موافقة النظام، والكرملين لديه قصة يرويها، وقد أعد جهاز الـ(إف إس بي) والإدارة الرئاسية العرض معا".
واستقال مالكوف في نهاية المطاف من القناة بعدما سئم من صناعة تلك الأفلام، التي شملت مراقبة العديد من مرشحي المعارضة في سن المراهقة لمجالس المدن في روسيا الإقليمية.
وأضاف أن "جهاز الـ(إف إس بي) هو الشرطة السياسية ويقوم بمراقبة السياسيين في روسيا، فهم يجدون أي تسجيلات مسيئة للسمعة، وينشرونها على شاشة التلفزيون، ثم تبدأ الشرطة في اتهام هؤلاء النشطاء بجرائم دون أي دليل".
ولم يرد الكرملين وجهاز الـ"إف إس بي" على طلبات التعليق، وقالت قناة "رين-تي في" لموقع التحقيق المستقل "بروكت"، الذي كان أول من ينشر قصة بيلوسوف، إن مالكوف لم يأخذ تعليمات من الكرملين، وقال إن مصادره "يمكن أن تكون أي نوع من الهياكل".
وأشارت التقارير الواردة في الصحافة الروسية، إلى أن الكرملين يراقب عن كثب رحلات نافالني الروتينية إلى مدينتي نوفوسيبيرسك وتومسك.
واستشهد مقال في صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" الشعبية الموالية للكرملين يوم السبت الماضي، بـ "مصادر في الهياكل الأمنية"، وقالت إنها تعقبت نافالني طوال الرحلة بينما كان يأخذ صورا "سيلفي" مع أتباعه في وسط المدينة، واستأجر ما أسموه "شقة تآمرية" وسبح في نهر توم.
ويبدو أن الغرض من التسريب هو إظهار أن العملاء لا يمكن أن يكونوا قد سمموا نافالني، زاعمين أنهم لم يرصدوا "أي اتصالات زائدة أو مشبوهة"، إلا أن المقال كشف عن حجم المراقبة المكثف، حيث قام الضباط بفحص بطاقات ائتمان أتباعه، وطلب توصيل السوشي، وحجوز الفنادق، وتبعوه في سيارات لا تحمل لوحات.
وقال موقع "برويكت"، إن مسؤولا كبيرًا في الكرملين عرض نتائج تحاليل مراسله نافالني قبل إعلانها، وقال إنها أظهرت أنه "بالتأكيد لم يتم تسميمه".
وقال زدانوف: "إن حجم الموارد التي ينفقونها عليه صادم"، مشيرا إلى أنه في إحدى المرات التقى هو ونافالني بزميل ناشط في مقهى في موسكو، وأدركا أن كل واحد منهما كان لديه فريق مراقبة كامل يتعقبه.
وبين أن "الأمر كان مضحكا، لأنه كان هناك عدد هائل من الناس حولنا، كان الأمر واضحا للغاية، فقد جلس 7 أشخاص على مسافة قريبة منا، وجلس آخرون في الخارج".