كولومبيا تعلن تحرير كل الجنود المحتجزين في منطقة تسيطر عليها مجموعة مسلحة
في مقال رأي نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، أشار الكاتب "مايكل فوش" إلى أن السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تتمحور حول تعزيز مصالحه الشخصية، وأن إصدار "خطة السلام" الإسرائيلية الفلسطينية هي مثال واضح على تجاهل ترامب للأمن القومي الأمريكي عندما يعتقد أن ذلك سيفيده شخصيا.
التخلص من الأزمات الداخلية
في الوقت الذي وقف فيه محامو ترامب أمام مجلس الشيوخ الأمريكي ليدافعوا عن الرئيس الموجهة إليه تهمة إساءة استخدام السلطة، وفي القدس قدم المدعي العام الإسرائيلي لائحة اتهام بالفساد ضد رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو"، وقف الزعيمان في البيت الأبيض في محاولة لصرف الانتباه عن مشاكلهم الداخلية وتعزيز قواعدهما السياسية.
وفقا للكاتب، "تتكون الخطة التي كشف عنها ترامب من 181 صفحة، وتتضمن الكثير من التفاصيل والرسوم البيانية، ولكنها لا تستحق أن تُعامل كوثيقة سياسة جادة، بل إهانة كبيرة للشعب الفلسطيني، كما يؤذي الرئيس أمريكا والشعب الإسرائيلي بتشويه دور الولايات المتحدة كداعم للسلام".
ويدعي ترامب، أن الوثيقة تحدد رؤية للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكنها ستخلق فقط المزيد من العقبات أمام التقدم، فالخطة تمنح إسرائيل كل ما يريده المتشددون الإسرائيليون، بما في ذلك السيطرة الأمنية على جزء كبير من الضفة الغربية، وعاصمة غير مقسمة في القدس وضم أجزاء من الضفة الغربية، بما في ذلك وادي الأردن والمستوطنات الإسرائيلية.
في هذه الأثناء، لن يحصل الفلسطينيون على شيء، ولكن هذا أمر متوقع بالنظر إلى أن الخطة قد وُضعت دون استشارتهم، ورد رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية "محمود عباس" على الوثيقة قائلا: "بعد هذا الهراء الذي سمعناه اليوم نقول ألف لا".
وأشار الكاتب إلى أنه بينما كان حل الدولتين في حالة انهيار قبل تولي ترامب منصبه، إلا أن تصرفات ترامب بما في ذلك، الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، وخفض الدعم المالي الأمريكي للاجئين الفلسطينيين والآن هذه الخطة، ستجعل إحلال السلام أكثر صعوبة، لو كان ذلك ممكنا من الأساس.
على المدى القريب، يمكن أن تسبب صفقة ترامب العنف، وهي نتيجة تتوقعها وزارة الخارجية الأمريكية، حيث أصدرت تحذيرا أمنيا للأميركيين في إسرائيل في نفس اليوم الذي أصدر فيه ترامب خطته، وعلى المدى الأطول، سيقوض نهج ترامب قدرة أمريكا على أن ينظر إليها الفلسطينيون كشريك محتمل في تسهيل السلام.
وردًا على خطة ترامب، كتب كبير المفاوضين الفلسطينيين "صائب عريقات"، في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية: "تثبت الولايات المتحدة مرة أخرى أنها جزء من المشكلة، ومن خلال إعطاء نتنياهو واليمين الإسرائيلي دعمه الصريح لمواقفهم الراديكالية، شجع ترامب أولئك الذين يرغبون في جعل تحقيق السلام مع الفلسطينيين مستحيلا".
مصالح ترامب ومؤيديه
بالنسبة لترامب، فإن الغرض الحقيقي من هذه التمثيلية هو تعزيز مصالحه الشخصية، إذ يتعرض ترامب للمساءلة أمام مجلس الشيوخ لمحاولته ابتزاز أوكرانيا لتشويه سمعة منافس سياسي، وهذا الجرم الذي يستحق خلعه، وُلد من الرغبة في استخدام منصبه الرسمي لتعزيز مصالحه الشخصية، وبطريقة قوضت مصالح أمريكا في دعم أوكرانيا في معركتها ضد روسيا.
ووفقا للكاتب، لا ينبغي أن يكون هذا مفاجئا، فسياسة ترامب الخارجية بأكملها تتمحور حول مصالحه الشخصية، فهو يندفع إلى اجتماعات القمة مع الزعيم الكوري الشمالي "كيم جونغ أون"، حتى يتمكن من التظاهر بتحقيق انجاز رغم عدم إحراز أي تقدم، ويبدأ حربًا تجارية مع الصين، ثم يوقع على صفقة تضع أمريكا في وضع أسوأ مما كانت عليه عندما بدأت الحرب التجارية، وكل ذلك حتى يتمكن ترامب من التصرف كما لو أنه حقق وعود الحملة الانتخابية، التي اشتملت الصرامة في التعامل مع الصين.
ثم هناك مسألة العدد الذي لا يحصى من تضارب المصالح التجارية المحتملة لترامب، التي تشكك في قرارات السياسة الخارجية لإدارة ترامب في جميع أنحاء العالم، مثل الهبات المقدمة إلى تركيا والصين، وهما دولتان تمتلك عائلة ترامب مصالح تجارية فيهما، ما يثير الشكوك حول الدوافع الحقيقية لترامب، التي يُقال إنها ساورت مستشار الأمن القومي السابق لترامب "جون بولتون".
ولذلك، من المتوقع أن يحاول ترامب أن يشتت الانتباه عن محاكمة عزله بحيلة سياسية تضر بالمصالح الأمريكية، وربما كان الدليل على ذلك في الحضور، إذ لم يكن الحضور من الزعماء الفلسطينيين أو الإقليميين، بل من داعميه والمتبرعين مثل "شيلدون أدلسون" والزعماء المسيحيين الإنجيليين الذين يشكلون جزءا أساسيا من قاعدته السياسية الداخلية.
وقال الكاتب؛ إن الرسالة كانت واضحة وتقول بوضوح إن تدخل ترامب في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يتمحور حول مصالح مؤيديه السياسيين.
من جانبه، يريد نتنياهو أيضا استخدام خطة ترامب هذه لمساعدة ثرواته السياسية في الداخل، فبعد فشله، في انتخابات متتالية، للفوز بالدعم اللازم لتشكيل حكومة، واتهامه بالفساد، لا يعتبر نتنياهو معرضا لخطر فقدان منصبه فحسب، بل السجن أيضا.
ولهذا السبب، قبل أسابيع قليلة من الانتخابات التالية، جاء نتنياهو إلى البيت الأبيض ليقف إلى جانب ترامب خلال طرح اقتراح الخطة الأمريكية الذي من شأنه أن يمنح نتنياهو وأنصاره الإسرائيليين المتشددين حماية أمريكية بينما يستمرون في ضم أجزاء من الضفة الغربية.
وفي السنوات الأخيرة، كانت آفاق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين تبدو بعيدة، ومع ذلك، لم ينجح ترامب سوى في زيادة المشاكل، فكلما وسعت إسرائيل المستوطنات في الضفة الغربية، وكلما حاول ترامب تطبيع مواقف السياسة الأمريكية الراديكالية، زادت صعوبة بدء عملية سلام جديدة في المستقبل، وفي هذه الأثناء، لا يزال الشعب الفلسطيني يعاني تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي والسياسات التي تخنق الحريات الأساسية والفرص الاقتصادية.
الحل الوحيد
واختتم الكاتب المقال بالتأكيد إن حل الدولتين هو السبيل الوحيد للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وبغض النظر عن مدى صعوبة تحقيقه، يجب أن يكون دور أميركا هو دعم هذا الهدف والتطلعات السلمية لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين.
إلا أن ترامب لا يهتم، ومثل تجاهله الصارخ لشعب "هونغ كونغ"، والجنود الأوكرانيين الذين يقاتلون ويموتون ضد روسيا، وأولئك الذين يفرون من العنف في أمريكا الوسطى، وتقويض هذا الأسلوب للأمن القومي الأمريكي، لا يهتم أيضا بالأضرار التي أحدثتها السياسات طالما أنها تساعد مصالحه السياسية الخاصة.