حذّر مؤرخون بيئيون وخبراء أوبئة من أن تدخلات البشر في البيئة الطبيعية أدت إلى زيادة كبيرة في انتشار الأمراض التي تنقلها حشرة القراد، وعلى رأسها مرض لايم.
تُعدّ حشرة القراد ذات الأرجل السوداء (Ixodes scapularis) الناقل الرئيسي لمرض لايم، إلى جانب أمراض أخرى خطيرة، مثل: البابيزيا وحمى الجبال الصخرية المبقعة. تتغذى كل قرادة على عدة حيوانات خلال دورة حياتها؛ ما يجعلها وسيطًا فعالًا في نقل الفيروسات والبكتيريا المسببة للأمراض.
لكن ما وراء كل لدغة قراد، تاريخ طويل من التغيرات البيئية التي أحدثها الإنسان. فعلى مدار القرنين الماضيين، أدت أنماط استخدام الأراضي، مثل قطع الغابات، ثم إعادة تشجيرها، والتوسع العمراني، إلى تغيير نمط حياة القراد بشكل جذري.
وفي شمال شرق الولايات المتحدة، تم تجريف مساحات شاسعة من الغابات خلال القرنين الـ18 والـ19 لأغراض الزراعة والبناء؛ ما أدى إلى اختفاء كثير من الحياة البرية، بما في ذلك المفترسات الطبيعية للغزلان.
ومع إعادة تشجير هذه المناطق لاحقًا، عادت أعداد الغزلان للنمو دون رادع طبيعي؛ ما أدى إلى زيادة في أعداد قراد الغزلان، وبالتالي انتشار بكتيريا Borrelia burgdorferi المسببة لمرض لايم. واليوم، تُعد المنطقة إحدى أبرز بؤر المرض عالميًّا، حيث سُجل أكثر من 89,000 إصابة في عام 2023.
أما في كاليفورنيا، فالمشهد مختلف جزئيًّا. فبينما لا تزال المفترسات الكبيرة، مثل: أسود الجبال، تعيش في مناطق، مثل: جبال سانتا كروز، فإن التوسع العمراني أدى إلى تجزئة المَواطن الطبيعية للقراد. وتنتشر القوارض، وهي من المضيفات الرئيسية للقراد بكثافة في هذه المساحات الخضراء الصغيرة المعزولة؛ ما يجعلها مراكز عالية الخطورة لانتقال الأمراض. وتُشكّل ست مقاطعات محيطة بمدينة سان فرانسيسكو 44% من حالات الأمراض المنقولة بالقراد في الولاية.
كما أسهمت الثروة الحيوانية في زيادة خطر الأمراض المنقولة بالقراد. ففي القرن التاسع عشر، تم ربط حمى الماشية في تكساس بانتقالها عبر القراد. وأدت إجراءات الصحة العامة، مثل: مناطق الحجر الصحي، إلى القضاء على المرض في بضع ولايات جنوبية بحلول عام 1943.
ويؤكد الخبراء أن حشرة القراد ليست شريرة بطبيعتها، بل هي نتاج للبيئة التي شكلها الإنسان. ومع استمرار التوسع الحضري وإزالة الغابات والاستخدام المكثف للأراضي الزراعية، من المرجح أن تستمر مخاطر الأمراض المنقولة بالقراد في الارتفاع، ما لم تُعالج من خلال خطط متكاملة تشمل الصحة العامة والحفاظ على البيئة.