تشير أبحاث حديثة إلى أن جائحة الطاعون الأسود في أوروبا خلال القرن الرابع عشر قد تكون ناجمة عن ثوران بركاني أو عدة ثورات بركانية أدت إلى اضطرابات مناخية واسعة. ويعتقد الخبراء أن الرماد والغازات البركانية أدت إلى سنوات متتالية من الطقس البارد والرطب، ما تسبب بفشل المحاصيل عبر منطقة البحر المتوسط وأسهم في الانتشار الكارثي للطاعون.
ووفقا لصحيفة "التلغراف" درس علماء من جامعة كامبريدج حلقات الأشجار القديمة ووجدوا صيفًا باردًا ورطبًا بشكل غير معتاد في الأعوام 1345 و1346 و1347، وهي السنوات التي سبقت مباشرة اندلاع الطاعون الأسود. أدت هذه الظروف الصعبة إلى قيام دول المدن الإيطالية مثل فينيسيا وجنوة وبيزا باستيراد الحبوب من منطقة البحر الأسود لتجنب المجاعة، لكنها حملت عن غير قصد براغيث مصابة ببكتيريا Yersinia pestis، المسببة للطاعون الأسود.
وقال البروفيسور أولف بونتجن من قسم الجغرافيا في كامبريدج: "لقد رغبت طويلًا في فهم هذه الظاهرة، وما العوامل البيئية والاجتماعية التي سمحت للطاعون بالانتشار في هذا الوقت والمكان بالذات في تاريخ أوروبا".
سبب فتك الطاعون
وتوضح الدراسة الجديدة سبب فتك الطاعون الكبير. فبينما ساعدت الحبوب المستوردة على تجنب المجاعة، وفرت أيضًا طريقًا للبراغيث المصابة لدخول المواني المتوسطية، ومن هناك انتشرت البكتيريا بسرعة، محدثة واحدة من أشرس الأوبئة في تاريخ البشرية. بين عامي 1346 و1353، أودى الطاعون الأسود بحياة ما يقدر بين 75 إلى 200 مليون شخص، أي نحو 60% من سكان أوروبا.
وأشار الدكتور مارتن باوخ، مؤرخ متخصص في مناخ العصور الوسطى وعلم الأوبئة، إلى أن دول المدن الإيطالية كانت تمتلك شبكات تجارية بعيدة المدى قادرة على منع المجاعة، لكنها ساعدت أيضًا بشكل غير مقصود في انتشار الطاعون. ومن المثير للاهتمام أن بعض المدن الكبيرة مثل ميلانو وروما نجت لأنها لم تعتمد على الحبوب المستوردة.
وتسلط الدراسة الضوء على كيفية تضافر العوامل المناخية والزراعية والاقتصادية والاجتماعية لتشكيل "عاصفة مثالية" أدت إلى الطاعون الأسود، وتعد أيضًا مثالًا مبكرًا على العواقب غير المقصودة للعولمة، إذ يمكن للتجارة المترابطة تكبير أثر الكوارث الطبيعية والأوبئة.