لطالما شكّل الفنان اللبناني مارسيل خليفة ظاهرة فنية وفكرية متفرّدة، تجاوزت حدود الغناء والموسيقى، لتلامس قضايا الوطن والحرية والإنسان في أعمق تجلياتها. فمنذ بداياته، لم يكن مجرّد عازف بارع أو صوت شجيّ، بل حاملًا لمشروع ثقافي متكامل، يُغني القصيدة، ويُثير الأسئلة، ويُوقظ الوجدان.
وفي حفله الأخير في مدينة صيدا، بدا خليفة كمن يستحضر صوته القديم بروح جديدة، لم يكتفِ بالأداء، بل حاور الجمهور من على خشبة مسرح مفتوح على احتمالات الألم والأمل، مُحولًا لحظة الغناء إلى تأمل فلسفي عميق في جدوى الفن.
وفي تواصل لـ"إرم نيوز" مع الفنان مارسيل خليفة للحديث عن حفله الغنائي الساحر في مهرجانات صيدا، قال إنه عاجز عن التعبير بالكلمات لما يكنّه لهذه المدينة من حبٍ وشغفٍ عميقين، أسهما في مسيرته الفنية بشكل كبير على مدار عقود طويلة، على حد قوله.
وكشف مارسيل ما تُمثله مدينة صيدا بالنسبة له، قائلًا إنها كانت دومًا شاهدةً على محطاتٍ مفصلية من مسيرته الفنية؛ من غنائه لمعروف سعد، ومحمود درويش، وآخرين، مُسترجعًا ذكرياته من الصراخ الممزوج بشغف وحب ميناء صيدا، ومشاعر الرغبة في تذوق عسل الحياة، وإطلاق عنان الخيال في المدينة ذاتها، وفق تعبيره.
ذكريات وقناعة بقدوم العاصفة
واستعاد خليفة ذكريات حضوره الأول في المدينة، قائلاً: "إنه حمل عوده للمرة الأولى إلى صيدا، عاصمة الجنوب، وغنّى للفرح بصوت غارق في براءة الحلم، وعودٍ بالعيش في المدينة الفاضلة".
كما أوضح أن تلك المرحلة كانت مشبعة بالإيمان والقناعة بأن العاصفة ستأتي ذات يوم، حاملةً معها ما كان يغوص فيه من تأملات وأحلام.
وعدّ الفنان اللبناني عودته مُجددًا إلى الغناء في المدينة كعودة بحّار قديم، لم ييأس يومًا، ولم يفقد الأمل في الاستمرار بسرد الحكاية، والمضي بأحلامه والجمهور معًا نحو الانتصار، برغم قسوة الواقع وتحدياته، على حد تعبيره.
رؤية فنية
ولدى سؤاله عن رؤيته الفنية التي بقيت ثابتة بالرغم من تحوّلات الزمن؟ أجاب بأنه لا يزال باحثًا في كل أغنية، وفي كل مقام موسيقي، عن الوطن والانتماء والانتصار على أعباء الحياة، مُشيرًا إلى أن ثمة مشاعر مختلطة وعميقة انتابته قبيل صعوده إلى مسرح صيدا من جديد.
وأكد في ختام حديثه على أنه سيظل مدينًا لهذه المدينة بالشغف والحب، الذين لم ينطفئ لهيبهما في قلبه، ووصف بحرها بأنه يحمل رمزية كبيرة تلازمه دائمًا بذكريات عن الفرح والحزن.