رغم شهرة وذيوع مصطلح "الحب الأفلاطوني" على لسان مختلف الأجيال والثقافات، إلا أنه تعرض لعملية طويلة وعميقة من سوء الفهم والتحريف جعلته مرادفا لدى كثيرين للمواقف السلبية والضعيفة أو الحالمة في العلاقة بين الجنسين وكأن من يعتنقونه هم أشخاص غير واقعيين يميلون للعزلة أو الانسحاب.
هذا ما يكشف عنه كتاب "المأدبة" للفيلسوف الإغريقي أفلاطون الذي صدر مؤخرا عن دار "أقلام عربية" بالقاهرة، ترجمة وليم الميري، والذي يشير عنوانه إلى مأدبة متخيلة أقامها الفيلسوف الأشهر لعدد من أصدقائه وتلاميذه منهم سقراط ليتناقشوا حول عدد من القضايا الكبرى وعلى رأسها الحب.
ويبرز الكتاب كيف أن "الحب الأفلاطوني رقيق، مرهف الحس"، لكنه أيضا قوي له وجهة نظر فلسفية وإنسانية راسخة حيث يقوم على عاطفة قوية ويتطلب اهتماما مشتركا، لكنه فقط يتجاوز فكرة الانجذاب الجسدي أو حالة العشق الرومانسي باعتبار أن الرغبة مؤقتة وزائلة، كما أن الانبهار عابر.
ويراهن "الحب الافلاطوني"، المشتق من اسم أفلاطون، على "الإعجاب العقلي والتوافق الفكري" لكنه لا ينقصه الشوق والرغبة المشتركة في الحديث، مع الاهتمامات المتقاربة والسعادة النابعة من التواصل المستمر بين الطرفين.
وبذلك يناقض هذا المفهوم في جوهره الفكرة الشائعة من أن هذا النوع من الحب هو مجرد مصطلح مبهم يدور حول عشق الروح والنفور من الجسد، بلا أي أي أسس واقعية راسخة.
ومن الأفكار الخاطئة كذلك والمرتبطة بـ "الحب الأفلاطوني" أنه يستند إلى أسطورة أن الإنسان خُلق في البداية مكونا من رجل وامرأة في جسد واحد، ثم غضب كبير الآلهة "زيوس" عليه وقرر أن يعاقبه، ففصل الأنثى عن الذكر ومن هنا جاء بحث كل منهما عن الآخر حتى يكتمل مرة أخرى.
والمفاجأة التي يكشف عنها الكتاب هو أن أفلاطون لم يكن يتبنى تلك الأسطورة إطلاقا، فقد ظهرت قبل مولده عام 427 وقبل الميلاد بأزمنة طويلة، وكل ما هنالك أنه أشار إليها بشكل عابر، دون أن يعوّل عليها كثيرا بل سخر منها بعض أصدقائه.