عبر 50 دقيقة من المشاعر العميقة المتضاربة، يخرج المتفرج من العرض المسرحي اللبناني "ما بين بين" مشبعا بحالة خاصة من تأمل الواقع على المستويين الشخصي والعام، بحيث يقرر أن يكون صاحب موقف واضح ولون محدد في نظرته للعالم.
وتقوم الحبكة الدرامية للمسرحية على قصة حب بين كاتب مسرحي وممثلة يستعدان لتقديم عرض يتوج ما بينهما من مشاعر، كما يفضح زيف الواقع ويلخص رؤيتهما النقدية الحالمة إزاء مفرداته من مجتمع واقتصاد وأفكار وتقاليد.
ويتعرض المسرح، الذي يعد الأخير في البلاد، ليلة افتتاح المسرحية، إلى حريق مهول يقضي عليه ولا يترك منه إلا الفتات، في إشارة رمزية إلى وأد آخر محاولة لمقاومة القبح والانتصار للجمال.
وتجمع المسرحية بين الحس التراجيدي والرومانسية، على خلفية من التأملات الفلسفية التي تبدو للوهلة الأولى حزينة، يائسة، لكنها في جوهرها تدعو إلى حب الحياة والانتصار لها وعدم الاستسلام للقبح وخوض الحروب فكريا ونفسيا، بحثا عن المعنى المتمثل في الحق والخير والجمال.

وتحرّض المسرحية المتلقي على ألا يقع ضحية الموقف العالق "بين بين"، حتى لا يصبح جزءا من الواقع المشوه الذي علقت فيه الأشياء فسقطت في المنتصف بين الموت والحياة، الإثم والبراءة، الحرب والسلام، الألفة والدهشة.

على هذه الخلفية، تبدو رسالة صناع العمل واضحة وهي أن الحياة تصبح بلا معنى إذا خلت بشكل قاطع ونهائي من الإنحياز الصريح إلى إحدى هذه الثنائيات وتحوّل كل شيء إلى لون رمادي مقيت.
المسرحية تُعرض على خشبة مسرح "زقاق" بمدينة بيروت، تأليف وإخراج جنى بو مطر، بطولة ريم مروّة وطارق يعقوب.