في الحياة المدرسية، لا تكمن التحديات الكبرى في الصفوف أو ملاعب الرياضة، بل كثيرا ما تظهر خلال أوقات الغداء، حيث تتحول منطقة تناول الطعام أحيانا إلى مسرح تتجلى فيه الفروقات الفردية، سواء من خلال نوعية الأكل، أو قرارات التبادل والمشاركة، أو حتى مكان الجلوس.
وفي ظل هذا التنوع، قد يشعر بعض الأطفال بالتميز، بينما يعاني آخرون من الإقصاء أو القلق. وهنا، يصبح دور العائلة أساسيا في بناء وعي الطفل، وتعليمه مهارات التعامل مع هذه التفاعلات بطريقة صحية، تُرسّخ في داخله الثقة بالنفس وتقبّل الآخر.
فمن تبادل الوجبات الخفيفة إلى التعامل مع التعليقات الساخرة، يمكن أن يكون وقت الغداء مصدرا للضغط والارتباك للكثير من الأطفال. ويؤكد الخبراء لموقع "بيرنتس" المهتم بصحة العائلة والأطفال أن الحل يكمن في بدء محادثات صادقة في المنزل لتجهيز الأطفال لمواجهة هذه المواقف.
الضغوط حول تبادل الوجبات
عندما يحمل الأطفال وجبات خفيفة مثل الكيك أو رقائق البطاطا، قد يواجهون ضغطا من أقرانهم للمشاركة أو التبادل. وعلى الرغم من أن التبادل قد يكون ممتعا، إلا أن جيني وو، الرئيسة التنفيذية لمنصة Mind Brain Emotion، تنصح بتعليم الأطفال أن المشاركة ليست إلزامية، وأن من المهم وضع حدود واضحة. وتقترح تدريب الأطفال على قول عبارات مهذبة لرفض المشاركة مثل: "عذرا، لديّ فقط ما يكفي لنفسي."
وفي بعض الحالات، يفضّل الأطفال تجنب وجبات معينة بالكامل لتفادي الانتباه السلبي. فعلى سبيل المثال، طلب أحد الأطفال من والديه التوقف عن وضع ألواح الغرانولا بالشوكولاتة في صندوق طعامه؛ لأن زملاءه بدأوا يضايقونه. ويشدد الخبراء على ضرورة تأكيد مشاعر الطفل ودعمه في اتخاذ قرارات تحمي راحته النفسية.
الطعام الثقافي وبناء الثقة بالنفس
عندما يحضر الأطفال أطعمة ثقافية قد لا تكون "مألوفة" لزملائهم، قد يواجهون سخرية أو تساؤلات. توصي وو بتشجيع الأطفال على الحديث بفخر عن أطعمتهم وخلفياتهم الثقافية.
ويمكن للآباء المساهمة في نشر ثقافة التقبل من خلال مشاركة تقاليدهم مع المدرسة. كما تنصح مارجي حداد، مؤلفة كتاب "قوة التربية بأسلوب العلاقات العامة"، بتعزيز قاعدة "لا تنتقد ما يُسعد غيرك" في التعامل مع أطعمة الآخرين.
التعامل مع القلق الاجتماعي وقت الغداء
قد يشعر بعض الأطفال بالانعزال، خصوصا إذا كانوا مضطرين للجلوس في أماكن خاصة بسبب الحساسية الغذائية. وهنا يجب على الآباء طمأنتهم بأن ذلك لحمايتهم، وليس عزلا اجتماعيا.
ويمكن استخدام هذا الوقت في أنشطة فردية ممتعة مثل القراءة. وتشدد حداد على أهمية غرس مفهوم الثقة بالنفس والاعتماد على الذات في التعامل مع هذه اللحظات.
في النهاية، يجمع الخبراء على أن تعليم الأطفال كيفية التعامل مع تحديات غرفة الطعام يُكسبهم مهارات حياتية ضرورية كالثقة بالنفس، وتقدير الذات، وتقبّل الآخر، ووضع الحدود الاجتماعية.