في دراسة رائدة، اكتشف الباحثون أن الثعابين الحديثة، وبشكل خاص العاصرة (البايثون)، تحتفظ بالقدرة الجينية على إعادة نمو الأرجل، مما يكشف عن رؤى جديدة حول تطور البُنى الجسدية لدى الفقاريات.
وبحسب "ناشونال جيوغرافيك"يرتكز هذا الاكتشاف على جين أساسي في التطور الجنيني يُعرف باسم "القنفذ الصوتي" Sonic hedgehog، وهو جين يلعب دورًا محوريًا في تكوين الأطراف لدى العديد من الكائنات الحية.
ونشر الدكتور مارتن ج. كون، عالم الأحياء في جامعة فلوريدا، وزميلته فرانسيسكا ليال، نتائجهما في مجلة Current Biology، حيث أوضحا أن البايثونات لا تزال تمتلك جين Sonic hedgehog، لكن طفرة في منطقة تنظيمية تُعرف بـ "المُعزِّز" تمنع الجين من البقاء في حالة التشغيل لفترة كافية لتكوين أطراف مكتملة.
وفي الزواحف الأخرى، مثل السحالي، يبقى هذا الجين مفعَّلًا طوال مراحل التطور، مما يؤدي إلى نمو أطراف كاملة تمتد حتى الأصابع والمخالب.
أما في البايثونات، فإن الطفرة الموجودة في المُعزِّز تجعل الجين يومض "تشغيلًا" لفترة وجيزة قبل أن يتوقف مجددًا، مما يوقف تكوين الأطراف في مراحل مبكرة. وهذا يفسر سبب ظهور نتوءات أو مخالب صغيرة بالقرب من ذيل البايثون، وهي بقايا أطراف قديمة تمثل لمحة حية من التاريخ التطوري.
وقال كون: "إنه أحد أغرب التكوينات الجسدية بين الفقاريات"، موضحًا أن فريقه استخدم تقنيات تصوير دقيقة لتتبع سلوك الجين أثناء تطور أجنة البايثون. وتُظهر دراستهم أن الثعابين لم تكن بحاجة إلى إعادة تطور الأرجل بالكامل؛ فالبنية الجينية للأطراف لا تزال موجودة منذ ملايين السنين.
ويُعيد هذا الاكتشاف النظر في المفهوم التقليدي للتطور باعتباره عملية أحادية الاتجاه من الفقدان أو الاكتساب، إذ يشير إلى أن "الفقدان التطوري" قد يكون أحيانًا قابلاً للعكس إذا بقيت الآليات الجينية الأساسية سليمة. ومع حدوث الطفرة المناسبة، يمكن نظريًا للبايثونات، وربما لأنواع أخرى من الثعابين، أن تطوّر أرجلًا وظيفية من جديد.
ويرى كون أن هذه النتائج تمهّد الطريق لدراسات مستقبلية لفهم كيفية فقدان الأعضاء أو عودتها عبر الزمن، قائلاً: قد يشكّل هذا أساسًا لدراسات مقارنة أوسع تبحث في كيفية فقدان البُنى والأعضاء عبر التاريخ التطوري.
وتسلّط هذه النتائج الضوء على التاريخ الجيني العميق للثعابين وتبرز مدى مرونة عملية التطور نفسها، بحسب ما أكده العلماء.