في خضم الحرب المستعرة بقطاع غزة، تدور عجلة الإنتاج السينمائي في الضفة الغربية بشكل طبيعي، حيث تشهد المنطقة تصوير عدد من الأعمال الروائية الطويلة والقصيرة، في مشهد يثير تساؤلات حول كيفية استمرار هذا النشاط في ظل القيود الأمنية والرقابية المشددة.
تعود هذه التساؤلات إلى التعقيدات التي فرضتها اتفاقية أوسلو، التي قسّمت الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق: "أ"، و"ب"، و"ج"، ففي حين أنه من المفترض أن تخضع المنطقة "أ" لسيطرة السلطة الفلسطينية الكاملة، هي لا تمثل سوى 3% من المساحة، تخضع المنطقة "ب"، التي تشكّل نحو 25% من الضفة، للسيطرة الأمنية الإسرائيلية والإدارية الفلسطينية.
أما المنطقة "ج"، وتُشكل 72% من مساحة الضفة الغربية، فتخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة، أمنيًا وإداريًا، ما يجعل من عملية تصوير الأفلام خاضعة لإذنهم في معظم الأحيان.
وعلى الرغم من هذه القيود، تستمر سنويًا عشرات الأفلام الروائية والتسجيلية والوثائقية في الخروج إلى النور من الضفة، ما يطرح علامات استفهام حول طبيعة التصاريح، والرقابة، وهامش الحرية المتاح لصنّاع السينما في ظل هذا الواقع المعقّد.
في هذا السياق، برز اسم فيلم "فلسطين 36" للمخرجة الكندية من أصل فلسطيني آن ماري جاسر، الذي اختير لتمثيل فلسطين في الترشيحات الأولية لجائزة الأوسكار لعام 2025، وقد لفت الفيلم الأنظار ليس فقط لمضمونه، بل أيضًا لكونه صُوّر بالكامل في الأردن، وليس في الأراضي الفلسطينية، رغم أن خطة العمل الأصلية كانت تقضي بتصوير أجزاء من الفيلم في الضفة الغربية.
مصادر من داخل فريق العمل كشفت في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز" أن الخيار البديل بتصوير الفيلم خارج فلسطين جاء نتيجة مباشرة لتداعيات الحرب في غزة، التي أدت إلى تعقيدات أمنية حالت دون تنفيذ التصوير في الضفة كما كان مخططًا له.
وأكدت المصادر ذاتها أن اختيار الأردن لتصوير فيلم "فلسطين 36"، الذي تدور أحداثه في فلسطين القديمة، جاء لكون الثقافة المعمارية بين فلسطين، تحديدًا الضفة الغربية، والأردن، تتشابه كثيرًا من حيث التضاريس وأشكال البيوت، لا سيما مع وجود مخيمات واقعية في الأردن، مماثلة تمامًا للموجودة في فلسطين، تؤجر لأغراض التصوير، حيث تم تصوير فيلم "فلسطين 36" هناك، وفق تعبيرهم.
وفي تواصل "إرم نيوز" مع مصادر سينمائية وإعلامية فلسطينية، أجمعت على إرساء مبدأ أنه لا يوجد مكان هادئ أو خالِ من الصراع في المناطق الثلاث "أ"، "ب"، "ج"، ما يجعل فكرة تصوير الأعمال الفنية في الضفة الغربية أمرًا صعبًا للغاية على الصعيدين الإداري والأمني.
ويرى فريق منهم، أن تصوير الأعمال الفنية في الضفة الغربية يتوقف على عامل مُهم للغاية، وهو "شطارة" واختيار المنتج أو صُناع الأعمال الفنية للجهة التي تدعم المشروع الفني، سواء كانت وزارة الثقافة الفلسطينية، أو شركات أجنبية عربية وعالمية، أو بالتنسيق مع الأمن الإسرائيلي، مُشددين في تحليلهم على أن الجهة الداعمة ستتحكم في المشروع برمته.
في المقابل يرى آخرون أن هناك أعمالا سينمائية كثيرة تصور في مناطق بديلة سواء الأردن أو دول أخرى، ويُسوق لها على أنها تم تصويرها في فلسطين أو بمدن من فلسطين القديمة.