في الوقت الذي تزداد فيه الأبحاث المتعلقة بطول العمر، وتُنفق المليارات على علاجات تجريبية وتقنيات حديثة لمحاربة الشيخوخة، تشير البيانات العالمية إلى أن متوسط العمر المتوقع بدأ بالتباطؤ، بل وحتى التراجع في بعض الدول المتقدمة.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "الإندبندنت"، كان متوسط العمر المتوقع يرتفع باستمرار منذ أواخر القرن التاسع عشر، مدفوعًا بتحسينات كبيرة في مجالات النظافة، والتغذية، والصرف الصحي، واللقاحات، والرعاية الصحية. لكن منذ عام 2010، بدأ هذا الاتجاه في التغير.
وحللت دراسة نُشرت مؤخرًا في مجلة The Lancet، بيانات من عشرين دولة متقدمة، كشفت أن جميعها تقريبًا شهدت تباطؤًا في نمو متوسط العمر المتوقع خلال الفترة ما بين 2011 و2019.
كما زادت جائحة كوفيد-19 الطين بلة، حيث سجلت العديد من الدول معدلات وفاة زائدة لم تشهدها منذ الحرب العالمية الثانية، مما أدى إلى تراجع في متوسط العمر للمرة الأولى منذ عقود.
ويشير العلماء إلى أن جزءًا من تباطؤ ارتفاع متوسط العمر يُعد أمرًا طبيعيًّا؛ لأن الناس اليوم يعيشون لفترة أطول، مما يزيد من احتمالية إصابتهم بأمراض الشيخوخة مثل الزهايمر وأمراض القلب والسرطان. هذه الأمراض لم تكن شائعة في الماضي؛ لأن معظم الناس كانوا يموتون في سن مبكرة بسبب العدوى أو الحروب، قبل أن تتاح لهم الفرصة للوصول إلى عمر متقدم.
إضافة إلى ذلك، تلعب العوامل الاقتصادية والسياسات الحكومية دورًا حاسمًا. فالأزمات المالية، وتراجع الإنفاق على الصحة العامة، واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء ساهمت في تدهور الصحة العامة، ولا سيما في الدول ذات التفاوت الاقتصادي الكبير.
كما أن معدلات الأمراض المزمنة، مثل السمنة والسكري، في ازدياد، ويُلاحظ ارتفاع في "وفيات اليأس" المرتبطة بالانتحار وتعاطي المخدرات والكحول، خاصة بين فئة الشباب. كما أن الوحدة المزمنة أصبحت ظاهرة عالمية تؤثر سلبًا على الصحة وتعادل في ضررها تدخين 15 سيجارة يوميًّا.
ورغم التقدم في بعض الأدوية مثل "أوزمبيك" لعلاج السكري والسمنة، يؤكد الخبراء أن الحل لا يكمن فقط في العلاجات، بل في اتخاذ سياسات جريئة على مستوى الصحة العامة، تتضمن الوقاية، وتحسين نمط الحياة، والحد من الفوارق الاجتماعية والصحية.
وفي النهاية، لا يستبعد العلماء أن يصل الإنسان يومًا ما إلى عمر 115 أو حتى 140 عامًا، لكن الطريق إلى هناك يتطلب إصلاحات عميقة تضع الصحة الوقائية في قلب السياسات العالمية.