شهدت مصر في الآونة الأخيرة تزايدًا مقلقًا في ظاهرة "الأكاديميات والكيانات الوهمية"، تدّعي تقديم برامج تعليمية أو تدريبية تمنح شهادات مهنية أو جامعية، دون أن تمتلك أي اعتماد رسمي من وزارة التعليم العالي أو الجهات المختصة.
هذه الظاهرة لم تعد تقتصر على التضليل العلمي فحسب، بل بدأت بترجمة طابعها الوهمي إلى كوارث إنسانية حقيقية، كان أبرزها رحلة نظّمها كيان تعليمي غير رسمي معروف باسم "الأكاديمية الدولية للضيافة الجوية وعلوم الطيران" إلى شاطئ أبو تلات، وسلبت حياة سبعة طُلاب من محافظة سوهاج في حادث غرق مأساوي أسفر أيضًا عن إصابات متفاوتة بين عدد آخر من الطلاب ضج به الرأي العام المصري قبل أيام.
كانت شهادات أُسر الضحايا والناجين بمنزلة صرخات دفينة كشفت عن عُمق الضرر الذي لحق بأبنائهم من جراء الالتحاق بأكاديمية وكيان تعليمي وهمي، ذلك الذي نظم الرحلة إلى شاطئ أبو تلات، الذي شهد الحادث المأساوي، ما سلط الضوء مجددًا على خطورة تلك الكيانات التي تعمل دون رقابة حقيقية أو تراخيص رسمية.
وأثار حادث شاطئ أبو تلات تساؤلات حادة حول شرعية هذه الأكاديمية ومدى مسؤوليتها القانونية عن حياة الطلاب، في حين أن التحقيقات جارية بشكل موسع حول الحادث، حسب صحف محلية.
وحسب الموقع الإلكتروني الرسمي لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ضمت القائمة السوداء للكيانات الوهمية المحظورة 470 كيانًا وهميًا، شمل أبرزها: الأكاديمية الوطنية للعلوم البحرية والتكنولوجيا (مُنظمة رحلة شاطئ أبو تلات)، والجامعة السويسرية (تتبع إحدى شركات التسويق العقاري)، والأكاديمية الكندية الأوروبية، والأكاديمية الحديثة المتطورة، إلى جانب مئات الأكاديميات الوهمية المماثلة، التي تبيع الوهم وتترجمه إلى كوارث واقعية.
التعليم العالي تعلن القائمة السوداء للكيانات الوهمية وجه الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي بإعداد...
Posted by وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المصرية on Thursday, August 28, 2025
الحادث أعاد إلى الواجهة تحذيرات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المتكررة من التعامل مع الكيانات الوهمية، حيث أعلنت في بيان حاسم لها عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، قبل أربعة أيام، أن لجنة الضبطية القضائية بالوزارة تواصل ملاحقة الكيانات الوهمية بمختلف أنحاء الجمهورية بالتعاون مع هيئة الرقابة الإدارية وكافة أجهزة الدولة المعنية؛ لضمان عدم استغلال أولياء الأمور والطلاب الذين يقعون فريسة لها.
وأكدت الوزارة في بيانها، أن لجنة الضبطية القضائية ستوسع دائرة عملها خلال الفترة القادمة، بناءً على التقارير الواردة إليها من الرقابة الإدارية وكافة أجهزة الدولة المعنية، بمواصلة ملاحقة هذه الكيانات، وشددت أن قطاع التعليم يولي أهمية كبيرة لمتابعة ورصد أي كيانات وهمية تمارس أنشطة تعليمية دون ترخيص، مشيرة إلى أن هناك تعاونًا مستمرًا مع الجهات المعنية لضبط هذه المنشآت، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضدها، وذلك في إطار الحفاظ على جودة التعليم وضمان حصول الطلاب على شهادات معتمدة.
في سياق الاحتيال الرقمي وسرقة أحلام وأموال المواطنين في مصر، تصدّرت خلال عام 2025 قضية تطبيق Visa الوهمي واجهة المشهد، بعد سلسلة من الحوادث المماثلة كان أبرزها قضية تطبيق HoggPool عام 2023، الذي تسبب في خسائر فادحة لمستخدمين استُدرجوا عبر وعود كاذبة بالربح السريع عن طريق التعدين الرقمي.
ووفق وسائل إعلام مصرية، فإن تطبيق Visa تمكن من جمع ما يزيد عن 100 مليون جنيه من المواطنين، قبل أن تنجح الأجهزة الأمنية في ضبط تشكيل عصابي مكوَّن من 16 فردًا، بينهم أجانب، تورّطوا في إدارة التطبيق الاحتيالي، لا سيما تم الكشف عن تطبيقات مشابهة مثل Aladdin، وWebTrade، وRobin Bank، التي اتبعت النهج ذاته من التضليل المالي، مستغلة الثغرات القانونية وضعف الثقافة الرقمية لدى فئات واسعة من المجتمع، حيث تشترك هذه التطبيقات في خداع المستخدمين عبر واجهات احترافية وعروض مغرية، قبل أن تختفي فجأة بعد الاستيلاء على مبالغ طائلة.
وحسب إفادة مصادر صحافية مُتخصصة في الكتابة عن شؤون التعليم العالي في تصريحات خاصة لـ "إرم نيوز"، فإن انتشار الأكاديميات الوهمية مؤخرًا يكشف عن ثغرات تشريعية واضحة، تسمح بتأسيس كيانات تعليمية تحت غطاء "الشركات" أو "الأنشطة التدريبية"، دون الخضوع لرقابة التعليم العالي أو الالتزام بالمعايير الأكاديمية، برغم الجهود الرقابية المبذولة من السلطات المختصة، على حد قولهم.
وأوضحت المصادر ذاتها أن المسؤولية لا تقع على عاتق أجهزة الدولة المعنية فقط، بل إن افتقار الكثير من الأسر إلى الوعي الكافي، الذي يسمح لهم بضرورة التحقق من اعتماد المؤسسة التعليمية، قبيل إلحاق أبنائهم بها، بمنزلة خطأ جسيم من الأُسر، ما يجعلهم صيدًا سهلًا لمروجي الأحلام الكاذبة، خصوصًا في المحافظات التي تعاني ضعف فرص التعليم أو التدريب المهني الحقيقي، لافتين أن حادث شاطئ أبو تلات بمنزلة جرس إنذار للجميع.