الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
تنام أوروبا هذه الأيام وهي على حافة الانهيار الصناعي، بعد أن بات النقص الحاد في المعادن النادرة يهدد بتوقف خطوط إنتاج السيارات الكهربائية، الطائرات المقاتلة، وتوربينات الرياح، وحتى الصناعات الأساسية مثل الإلكترونيات وأخرى بمثابة حجر الأساس للصناعات الدفاعية.
بكين، التي تسيطر على 90% من السوق العالمي، شددت قبضتها يوماً بعد يوم عبر قيود تصدير قاسية، لتحول المعادن النادرة إلى سلاح حرب تجارية هز أركان الاقتصاد الغربي.
وفي خطوة تبدو كتحدٍّ مباشر للاحتكار الصيني، افتتحت أوروبا في سبتمبر أكبر مصنع للمغناطيسات الدائمة على أراضيها، في مدينة نارفا الإستونية على الحدود مع روسيا.
تدير هذا المصنع الشركة الكندية نيو بيرفورمانس ماتريالز بدعم أوروبي قيمته 14.5 مليون يورو.
أما الهدف الاستراتيجي: تقليص الاعتماد على بكين، التي تحتكر 90% من سوق المعادن النادرة - الوقود الخفي للثورة التكنولوجية والخضراء-.
يستهدف المصنع إنتاج ألفي طن سنوياً في المرحلة الأولى، ثم 5 آلاف طن، لتزويد صناعتي توربينات الرياح وبطاريات السيارات الكهربائية، إلا أن هذه الخطوة الجريئة تأتي وسط سباق محموم مع الزمن، بينما ترفع الصين وتيرة المنافسة التجارية في سوق المعادن.
أعلنت بكين في 9 أكتوبر، تشديد الرقابة على تصدير المعادن النادرة، مما أثار حالة طوارئ في العواصم الغربية، فالنظام الجديد للتراخيص الذي أُطلق مؤخرا كرد فعل على "يوم التحرير" لترامب وزيادة الرسوم الأمريكية بدأ يشل سلاسل التوريد العالمية.
واعتباراً من 8 نوفمبر المقبل، تشمل القواعد 12 معدن نادر (بدلاً من 7)، وتحتاج هذه المنتجات إلى ترخيص تصدير. أما الطلبات المتعلقة بالصناعات الدفاعية، فسترفض تلقائياً.
والنتيجة المباشرة لهذا التطور في الصراع الاقتصادي بين الغرب وبكين، وفق مراقبين، ارتفاع الأسعار وتغلغل شبح النقص الحاد لإنتاج السيارات والطائرات، إلى جانب العديد من السلع الأساسية التي يستفيد منها المستهلك وتقوم عليها اقتصادات الدول.
رد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان حاسماً، بعد أن هدد برسوم بنسبة 100% إضافية من 1 نوفمبر، إلا أن تصريح وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسينت، أمس الأحد، الذي أعلن فيه أن بكين قررت تأجيل قرارها تجاه واشنطن لمدة عام كامل، هدّأ قليلا من روع الأسواق العالمية.
المعادن النادرة الـ17 (مثل الديسبروسيوم، النيوديميوم، البراسيوديميوم) أصبحت عصب الحياة للصناعات المتقدمة والتي تشمل: السيارة الكهربائية التي تستهلك 1 كغ من المغناطيسات (6 أضعاف السيارة التقليدية)، وتوربينة الرياح البحرية التي تحتاج 6 أطنان من المغناطيسات، إضافة إلى الطائرات المقاتلة، الرادارات، الليزر، الدرونز، وأشباه الموصلات، كذلك المغناطيسات الدائمة التي تحتوي على 30% معادن نادرة، وهي موجودة في كل جهاز حديث تقريباً.
الاحتكار الصيني "المرعب" على 90% من السوق، وفق تعبير تقرير أوردته صحيفة "لوموند"، له تداعيات عالمية اقتصادية خطيرة، قائلا إن بكين تسيطر على أكثر من 60% من الاستخراج العالمي، وأكثر من 90% من التكرير، و98% من المغناطيسات المستخدمة في أوروبا، إضافة إلى 100% تقريباً من المعادن النادرة الثقيلة.
وأردف التقرير أن "الطلب العالمي مرشح للارتفاع 50-60% خلال 15 عاماً فقط".
من جهتها، أعلنت المفوضية الأوروبية، السبت، خطة طوارئ لمواجهة الهيمنة الصينية، بعد أن حذرت أورسولا فون دير لاين، قائلة: "مستعدون لاستخدام كل أدواتنا إذا لزم الأمر"، في إشارة إلى آلية مكافحة الإكراه التجاري منذ 2023.
وبحسب تقرير الصحيفة الفرنسية، عقد المفوض ستيفان سيجورنيه اجتماعاً طارئاً في 20 أكتوبر مع 15 عملاقاً صناعياً، من بينهم: فولكسفاغن، "سيارات"، وفيستاس، سيمنس، إنيركون "طاقة رياح"، وإيرباص، سافران "دفاع وفضاء"، وبوش "إلكترونيات"، وسولفاي "كيمياء".
وكانت قد صنفت بروكسل في مارس الماضي 47 مشروعاً للاستخراج والتكرير والتدوير، وتخطط لإنشاء مركز شراء وتخزين مشترك لدعم الصناعات الناشئة.
وأعادت واشنطن فتح منجم ماونتن باس عام 2010، لكن الشركة أفلست 2015 بسبب "الفيضان" الصيني في السوق، ليعاد تشغيله في 2017 بدعم البنتاغون، ويخدم الدفاع أولاً.
وكانت فرنسا أكبر منتج عالمي حتى التسعينيات عبر روديا (سولفاي الآن)، أُغلقت مناجم مونتبرا ومصانع لاروشيل ونُقلت إلى الصين.
والآن، تعيد سولفاي تشغيل خط لاروشيل لتغطية 30% من احتياجات أوروبا بحلول 2030، إضافة إلى مشروعين في لاك "باو" وهما مصنع تكرير "كاريستير 2026" وإنتاج سبائك "ليس كومن ميتالز"، إضافة إلى 12 اتفاقية مع أستراليا، كندا، اليابان، ومنغوليا لتجاوز الاعتماد على بكين.
وباتت أوروبا الآن في سباق مع الزمن، فإما أن تنجح في بناء استقلاليتها قبل نفاد المخزون أو أن تدفع ثمن الاعتماد "المميت" على الصين، في حين يرجح خبراء أن تحسم الأشهر المقبلة مصير الصناعة الأوروبية.