في خضم أزمة اقتصادية خانقة، وعد وزير المالية في الحكومة السورية المؤقتة برفع الرواتب بنسبة 400%، ما يستدعي توفير نحو 127 مليون دولار شهريًا، في الوقت الذي يعاني منه أغلب الموظفين جراء تأخر تسلمهم للرواتب.
ويرى مراقبون أن الوعد الحكومي لا يحمل معه حلاً جذريًا للمعاناة الاقتصادية، حيث تتراوح الرواتب الحالية بين 20 و30 دولارًا شهريًا، وحتى مع الزيادة المرتقبة، لن يتجاوز راتب الموظف 80 دولارًا، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية الحد الأدنى من احتياجات الأسر السورية.
في الوقت نفسه، تغزو الأسواق السورية قوافل من المعلبات التركية من الدرجة الثالثة بأسعار منخفضة، مما يهدد الصناعة المحلية ويزيد من احتمال توقف معامل المعلبات الوطنية. إلى جانب ذلك، تتعرض السوق السورية لضغوط إضافية مع تزايد الاعتماد على المنتجات المستوردة، في ظل عجز الإنتاج المحلي عن تلبية احتياجات المواطنين.
من جهتها، طلبت الإدارة الحكومية الجديدة من الموظفين تعبئة بيانات عبر الإنترنت وتقديم أوراق رسمية جديدة، مع إجراء مقابلات لتقييم الكوادر وإعادة توظيفها. إلا أن العملية، وفقًا للموظف جواد من وزارة الصحة، تبدو كأنها "إعادة بناء للمؤسسات من الصفر"، في وقت لا يزال فيه الموظفون ينتظرون صرف رواتبهم الضئيلة أصلاً.
أزمات النفط والعقوبات
يعتمد الاقتصاد السوري بشكل كبير على النفط والغاز، إلا أن سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والقوات الأميركية على منابع الطاقة في شمال شرق البلاد جعلت هذا الملف خاضعًا للتجاذبات الدولية.
الباحث الاقتصادي علي غازي أكد أن استعادة إنتاج 400 ألف برميل يوميًا، كما كان الحال قبل الحرب، هو الشرط الأساسي لتحقيق أي انتعاش اقتصادي، حيث يعادل هذا الإنتاج نحو 11.7 مليار دولار سنويًا، ما من شأنه أن يغير واقع البلاد بشكل جذري.
ومع انهيار الاقتصاد وفقدان الموارد، تعتمد البلاد بشكل شبه كلي على قوافل المساعدات الغذائية العربية التي تصل عبر مطار دمشق.
ورغم أهميتها في تخفيف حدة الأزمة، يرى مراقبون أن هذه المساعدات ليست كافية لإخراج سوريا من مأزقها الاقتصادي، حيث تحتاج البلاد إلى مشاريع تنموية حقيقية وإعادة بناء قطاع الإنتاج المحلي.
عقوبات خانقة
زيارة الوفود الأمريكية والأوروبية إلى دمشق لم تأتِ بجديد، حيث أكد المراقبون أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا لن تُرفع في الوقت الراهن.
وفاقمت أزمة التحويلات المالية من معاناة السوريين، حيث كانت العائلات تعتمد بشكل كبير على الحوالات من أبنائها في أوروبا والخليج لتغطية احتياجاتها اليومية. ومع بطء التحويلات أو توقفها، انقطع أحد أهم مصادر الدعم المالي الذي كان يخفف وطأة الأزمة على المواطنين.
خيارات محدودة
في ظل غياب خطة واضحة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، تبدو الخيارات المتاحة أمام الحكومة السورية المؤقتة محدودة.
وبينما تنتظر البلاد إصلاحات جذرية ورفع العقوبات الدولية، يواصل السوريون مواجهة أزمة معيشية خانقة تُهدد بزيادة معدلات الفقر والبطالة، في وقت تبدو فيه الحلول المؤقتة غير كافية لمعالجة أزمة بحجم ما تعيشه سوريا اليوم.