قال خبراء في الشأن الآسيوية والعلاقات الدولية، إن الالتفاف سيكون الحل من جانب الصين والهند، للحصول على النفط الروسي، والتهرب من العقوبات التي يجهزها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبر تشريع يستهدف بكين ونيودلهي لعدم استيراد واردات الطاقة بأسعار تفضيلية، في ظل تضييق الخناق على موسكو في الحرب بأوكرانيا.
وأوضحوا في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أنه بالرغم من حديث الصين والهند عن استقلال وسيادة القرار الاقتصادي، إلا أنهما سيكونان أكثر ميلاً لتخفيض العلاقة التجارية مع روسيا في مجال النفط في العلن، والتحول إلى الاستعانة بطرف ثالث، والقيام بالالتفاف لاستمرارهم في الحصول على واردات النفط الروسي بأسعار تفضيلية، وبشكل غير مباشر.
وأشاروا إلى أنه بالرغم من وجود اختلاف في طريقة إدارة الملف من بكين إلى نيودلهي، إلا أن الأمور في المحصلة ستكون متشابهة.
وكان أعلن ترامب مؤخرا، قبوله مشروع قانون في مجلس الشيوخ لفرض عقوبات على الدول التي تتعامل تجاريا مع روسيا، بما في ذلك فرض رسوم جمركية تصل إلى 500% على واردات الطاقة من هذه الدول مثل الصين والهند، حيث يأتي ذلك في إطار جهود لمعاقبة موسكو بسبب حربها على أوكرانيا، مع احتمال إضافة إيران إلى العقوبات.
ومن نيودلهي، يقول الخبير في الشؤون الآسيوية، الدكتور وائل عوّاد، إنه على ما يبدو أن الحكومة الأمريكية بدأت المرحلة الثانية من المعركة التي فرضتها روسيا بخصوص الأزمة الأوكرانية، وواشنطن تستفز موسكو في هذا الإطار، ولذلك تصبّ قرارات الرئيس الأمريكي الحالية في إطار التصعيد مع روسيا بهدف إنهاكها وإبعادها قدر الإمكان عن التقارب مع الصين وإيران وكوريا الشمالية وغيرها، ومن هنا تأتي العقوبات التي تحاول واشنطن فرضها، باعتبارها جزءاً من السياسة الأمريكية تجاه موسكو من جهة، وتجاه الصين من جهة أخرى، وكذلك الهند من جهة ثالثة.
وأوضح عواد في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن الهند ليست مُعفاة من العقوبات، وأن هناك حديثاً عن عقوبات جديدة وتحاول الحكومة الهندية الحدّ من استيراد النفط الروسي وعقد صفقات مع الشركات الأمريكية، إلا أنّ المباحثات التجارية بين الطرفين ما زالت جارية، ولم تُتخذ الإجراءات بعد، ورغم ذلك، فإنّ الخطاب الهندي الرسمي المُعلن يؤكد أنها لا تزال تشتري النفط الروسي، وأن قراراتها استراتيجية وتنسجم مع مصلحتها القومية.
أما فيما يتعلق بالصين، فيرى عواد أن ترامب لا يستطيع أن يقوّض دورها بالطريقة التي يرغبها، لكنّ ثمة حديثا عن زيادة الضغوط الأمريكية على بكين لتخفيف اعتمادها على النفط الروسي غير أنّ هذه الإجراءات الأمريكية الأحادية، وفرض العقوبات والرسوم الجمركية، قد تضر بالولايات المتحدة نفسها؛ لأن الصين ستردّ بفرض عقوبات على الشركات الأمريكية، وكذلك الأمر بالنسبة للهند، التي قد لا تنصاع بسهولة، مشيرا إلى أن كلا من الهند والصين يبحث عن سُبل للتعاون مع إدارة ترامب بأقل الخسائر الممكنة.
وبين عواد أن الرد الهندي ظهر في أكثر من مناسبة على لسان المتحدث باسم الخارجية الهندية، الذي أكد أنّ الموقف الهندي ينبع من مصلحة بلاده وأنها تبحث عن أمن الطاقة وتشتري من حيث تشاء ومع ذلك، هناك تصريحات غير مُعلنة ولقاءات مع مسؤولين أمريكيين؛ ما يجعل متابعة هذه التطورات أمراً ضرورياً.
فيما يستبعد الباحث في الشؤون الصينية، سامر خير أحمد، أن يؤدي المضي في هذا القانون من جانب واشنطن إلى صدام مباشر بين الصين أو الهند، مرجحا قيام نيودلهي وبكين بإعادة النظر في هذه العلاقة النفطية المباشرة مع روسيا من أجل تجنب هذه العقوبات وتجاوزها من حيث المبدأ.
وأضاف خير في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن إعادة النظر هنا لا تعني وقف التعامل التجاري من جانب أي من الصين أو الهند مع روسيا في مجال النفط؛ إذ من المرجّح أن كل واحدة من الدولتين ستجد طرقا بديلة لاستيراد مصادر الطاقة من موسكو بشكل غير مباشر، لأنه ليس من مصلحة بكين أن تُصعّد تجاه واشنطن، وبالطبع الحال نفسها بالنسبة لنيودلهي، رغم أن الشواهد بدأت تصبح واضحة في العلاقة التي كانت مستقرة بين الهند والولايات المتحدة في عهود الرؤساء الأمريكيين السابقين.
ويستبعد خير، حدوث توتر أو تصعيد بين واشنطن من جهة، وبكين ونيودلهي من جهة أخرى، وإن حدث تصعيد فسيكون لفظيا، وذلك بحديث من الصين عن السيادة الوطنية واستقلال القرار وأنها لا تخضع للضغوط، وكذلك الهند يمكن أن تفعل ذلك، لكن كل واحدة من الدولتين ستعيد النظر فيما يخدم مصالحها في هذه العلاقة المباشرة في مجال استيراد الطاقة من روسيا، والتي ستبدو إلى حد كبير مستمرة ولكن بشكل غير مباشر.
ويؤكد خير أن هناك اختلافات في إدارة مثل هذا الملف بين كل من الهند والصين، حيث إنه بالنسبة للأخيرة فهي الآن توصلت إلى تفاهم مع الولايات المتحدة بخصوص الرقائق والمعادن النادرة، وليست بحاجة إلى التصعيد الآن، ومن المرجّح، رغم حديثها عن تجاوز النظام المالي الحالي الذي تفرضه واشنطن، فإن هذه العقوبات الجديدة تبرّر هذا الكلام الصيني، لكن أيضا نحن الآن في مرحلة ليس من مصلحة بكين فيها التصعيد.
واستكمل، أن الهند دائما ما تجمعها علاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة، وعلى الأرجح ستكون أقل ميلاً للصدام معها على الرغم من أن العلاقة مع إدارة ترامب ليست في أفضل حالاتها ورغم ذلك، فإن نيودلهي ستكون أقل ميلاً للصدام والتصعيد مع الولايات المتحدة مقارنة بالصين، مشيراً إلى أن الهند ربما تفكر في خلافها على النفوذ مع الصين، والخلافات بينهما مستمرة ومتجذرة، وبالتالي ليس من مصلحتها في مثل هذا التحدي مع الولايات المتحدة أن تبدو وكأنها تضع يدها في يد بكين ضد واشنطن.
وخلص خير، أن هذه الأبعاد والخلفيات توضح أن كلا من الصين والهند، رغم الحديث عن استقلال وسيادة القرار الاقتصادي، ستكونان أكثر ميلاً لتخفيض العلاقة التجارية مع روسيا في مجال النفط في العلن، والتحول إلى الاستعانة بطرف ثالث أو دولة ثالثة للاستمرار في الحصول على واردات النفط الروسي بأسعار تفضيلية ولكن بشكل غير مباشر، ورغم وجود اختلاف في طريقة إدارة الملف بين بكين ونيودلهي، فإن الأمور في المحصلة ستكون متشابهة.