ليل لم يُمهل الفجر أن يطلّ بسلامه، انطفأ فيه صوت حسام ورور، رئيس بلدية صحنايا، برصاصة غادرة خطّت فصلاً جديدًا من الحزن على صفحات ريف دمشق.
لم تكن صحنايا تلك البلدة الهادئة على أطراف العاصمة تعلم أن الصمت الذي خيّم عليها بعد اتفاق وقف إطلاق النار لن يطول، وأن الطمأنينة التي حاول المسؤولون بثّها، ستتحول إلى دخان يتصاعد من فوهات البنادق.
هناك، حيث تختلط رائحة الياسمين ببارود الخوف، سقط الرجل الذي كان قبل ساعات يتحدث عن الأمن، مضرجًا بدمائه إلى جانب ابنه، كأن الاغتيال جاء ليُعلن أن الحرب، وإن هدأت أصواتها، ما زالت تتربص في الزوايا.
وفي الخلفية، طائرات مسيّرة، واتهامات متبادلة، ودماء تنزف على أسفلت التوتر الطائفي.. هكذا تعود سوريا إلى الواجهة، كساحة مفتوحة على كل الاحتمالات.
لم يكن اغتيال ورور وحده كافيًا لهز الشارع، بل إن مقتل ابنه معه أضفى على المشهد طابعًا شخصيًا يختلط فيه الحزن بالغضب. التحقيقات بدأت، لكن الأسئلة تتكاثر أسرع من الأجوبة: من المستفيد؟ ومن الجاني في هذا الظلام المتشابك؟
التصعيد في صحنايا لم يأتِ من فراغ، بل سبقه اتفاق هش لوقف إطلاق النار بين القوات السورية ومسلحين دروز، تزامن مع تدخل عسكري إسرائيلي مفاجئ في المنطقة تحت عنوان "حماية الدروز"، فقد استُهدفت دورية أمنية بصاروخ من طائرة مسيّرة، في سابقة تُعد الأولى من نوعها.
السلطات السورية ردّت سريعًا، معلنة بسط السيطرة على البلدة، وتفكيك ما سمّته "مجموعات خارجة عن القانون"، بينما أصابع الاتهام لم تتردد في الإشارة إلى “جهات خارجية” تحاول إشعال الفتنة. ومع ازدياد الضغوط الدولية، خاصة من إسرائيل التي أجلت مصابين دروز للعلاج، تدخل الأزمة مرحلة جديدة، عنوانها الأبرز: الطائفية تعود إلى الواجهة، والساحة السورية مجددًا رهينة لصراعات محلية بإيقاع دولي.
وسط هذه الفوضى، تبقى صحنايا أكثر من مجرد بلدة.. إنها مرآة تعكس هشاشة التهدئة، وخطورة اللعب على أوتار الانقسام.