بين صخب الصحفيين وضغط الأسئلة، كشف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خيطًا جديدًا من خيوط المساومة الدولية، قد يعيد رسم خريطة أوكرانيا.
الولايات المتحدة، يقول زيلينسكي، تريد من أوكرانيا سحب قواتها من دونباس. انسحابٌ يُفترض أن تتبعه صيغة غامضة: “منطقة اقتصادية حرة أو منطقة منزوعة السلاح”. صيغة بلا ملامح، وبلا حاكم، وبلا ضمانات.
فهل هي فرصة للسلام أم فخّ مؤجل لعودة الروس بثياب مدنيين؟ بمعنى آخر، حصان طروادة داخل الأراضي الأوكرانية.
الفكرة الأمريكية ليست جديدة كليًا، فقد طُرحت سابقًا مقايضة أكثر قسوة: تسليم ما تبقّى من دونباس لروسيا مباشرة. اليوم، هناك “حل وسط"، لكنه وسط قد لا يتّسع لأقدام الطرفين.
فالمعادلة، كما يصفها زيلينسكي، غير عادلة: طرف يتراجع والآخر يبقى متقدّمًا. فمن الذي سيمنع الجيش الروسي من ملء الفراغ؟
وحتى لو قبلت أوكرانيا، فالأمر لن يمرّ من دون كلمة الشعب: انتخابات، أو استفتاء، أو أي شكل يمنح الشرعية لقرار هو الأكثر خطورة منذ اندلاع الحرب.
الخطة الأمريكية تُجمّد الجبهات في خيرسون وزابوريجيا، وتمنح روسيا تراجعًا صغيرًا هنا وتقدّمًا كبيرًا هناك. وفي الظل، ضغط هائل يمارسه دونالد ترامب، الذي لا يخفي استياءه من بطء المفاوضات، ولا يفوّت فرصة للتشكيك في زيلينسكي.
لكن المعضلة الكبرى ليست في واشنطن ولا في كييف، بل في الكرملين. هل يريد فلاديمير بوتين سلامًا حقيقيًا؟ يتساءل الأوروبيون، أم أنه يشتري الوقت بانتظار شتاء آخر قد يرهق الأوكرانيين؟
في أوروبا، يتزايد القلق ومعه التحذيرات. الأمين العام للناتو مارك روته يحذّر من حرب قد تعيد القارة إلى مشاهد أجدادها. وفي الوقت ذاته، دول أوروبية تضغط، وأخرى تُماطل، بينما تعِد بروكسل بأن “لا أحد سيمنع أوكرانيا من دخول الاتحاد الأوروبي”.
تبدو كييف اليوم وكأنها تسير فوق خيطٍ مشدود بين واقعٍ يزداد قسوة، ووعودٍ دولية تتبدّل ملامحها كل يوم. مقترحات تُطرح، وضغوط تأتي من كل اتجاه. وحديث متزايد عن صفقة مخيفة بين ترامب وبوتين لا يعرف عنها أحد شيئا، سوى أنها تضع أوكرانيا ومعها أوروبا في مواجهة المجهول.