على تخوم الجولان، حريق واسع يندلع في الأراضي السورية قرب بلدة الرفيد في ريف القنيطرة الجنوبي، في مشهد سرعان ما تجاوز ضرره الطبيعة ليطال السياسة والأمن والهوية.
عشرات الهكتارات من الأراضي الزراعية والمراعي أُتلفت، والاتهامات تشير إلى أن القوات الإسرائيلية تقف خلف إشعال النيران، في ظل توتر متزايد على طول الخط الفاصل.
الحريق ليس سوى حلقة في سلسلة من الأحداث المتسارعة التي تشهدها المحافظة، فالتوغل العسكري الإسرائيلي بين قرى القنيطرة وعمليات إطلاق النار وهدم المنازل تكشف عن واقع ميداني جديد تفرضه تل أبيب على الأرض، داخل المنطقة العازلة التي نص عليها اتفاق فصل القوات عام 1974.
في خضم هذه التحركات، برزت معلومات رسمية تشير إلى إنشاء إسرائيل لثماني قواعد عسكرية جديدة شمالي القنيطرة، الأمر الذي حرم السكان من استخدام أكثر من ستة آلاف هكتار من الأراضي، وأدى إلى تهجير قسري لعائلات كاملة كانت تعتاش على الزراعة وتربية المواشي.
تُبرّر إسرائيل تدخلها المستمر بزعم وجود قوات تابعة لميليشيا حزب الله وإيران، فيما تؤكد مصادر محلية خلو المنطقة من أي وجود عسكري غير سوري، في ظل سيطرة وحدات الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية السورية بعد تغيير الإدارة الحاكمة.
بعيداً عن الاشتباك العسكري، ترخي هذه الانتهاكات بظلالها على الحياة اليومية للسكان، فالكهرباء مقطوعة، والآبار متوقفة، والخدمات مهددة.
والخطر الأكبر ليس فقط في التحركات العسكرية، بل في نزف السكان ونزوحهم، وفي محاولة فرض واقع جغرافي جديد.
الحريق الأخير وما سبقه من توغلات عسكرية وهدم للمنازل يكشفان عن سياسة ممنهجة تتجاوز البعد الأمني، نحو فرض أمر واقع جديد في منطقة حساسة جغرافيًا وسياسيًا.
وفي الوقت الذي تحاول فيه الإدارة المحلية لملمة آثار الانهيار وتوفير الحد الأدنى من الخدمات، تستمر التهديدات والانتهاكات في تقويض استقرار المنطقة وتعطيل حياة أهلها.
القنيطرة، التي لطالما شكّلت خط تماس مباشر مع إسرائيل، تعيش اليوم بين رماد الماضي وأعباء الحاضر، في انتظار لحظة تُعاد فيها السيادة ويُستعاد فيها الحق.