المُواجهة التي كادت أن تشعل حربًا نووية جديدة.. لم تكن فقط في الجو أو على الأرض، بل في شاشات التلفزة، وصفحات الصحف، وقاعات التحرير.
الهند وباكستان، قوتان نوويتان تتواجهان إعلاميًا هذه المرة، بسرديات متناقضة تُصاغ داخل غرف الأخبار، لا غرف العمليات.
بينما تقول باكستان إنها أسقطت طائرات فرنسية وروسية حديثة، بل وحتى دمّرت منظومة إس-400 الروسية، تصر الهند على أنها حيّدت أكثر من 400 طائرة مسيّرة باكستانية، في ما تصفه بـ"الردع الذكي".. لا صور موثقة، ولا دلائل مستقلة، فقط روايات وطنية تتسابق للسيطرة على وعي الجماهير.
في هذه المعركة، لم يكن الإعلام مجرد ناقل.. بل مقاتل.. مذيعون ومراسلون تحولوا إلى أدوات تعبئة، والتقارير امتلأت بلغة الانتصار.
حتى أسماء مشهورة في المشهد الهندي، مثل الصحفية "بالكي شارما"، والتي لطالما اشتهرت بالتحليل المتوازن، انجرفت إلى خطاب يلامس الدعاية.
مئات الحسابات، وآلاف المنشورات، وصور وفيديوهات لا مصدر لها.. المتابع البسيط تحوّل إلى "خبير عسكري"، يُحلل، ويهاجم، ويدافع من دون تحقق أو دليل.
لكن وسط كل هذا الصخب، جاء القرار الحاسم بوقف إطلاق النار.. خطوة صغيرة، لكنها جنّبت المنطقة كابوسًا نوويًا محتملًا، فحرب بين قوتين نوويتين لا تنتهي بانتصار طرف، بل تبدأ بخسارة الجميع... حياة، وبُنى، ومستقبل.
ما جرى بين الهند وباكستان يكشف أزمة أعمق في الصحافة وقت الأزمات.. هل يجب أن تكون الصحافة وطنية؟ أم مهنية؟ وهل وظيفتها.. رفع الروح المعنوية أم كشف الحقيقة مهما كانت قاسية؟ وهل الإعلام طرف في المعركة أم صمّام أمان لمنع اشتعالها؟
إذا استمر وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان، فإن الأسابيع المقبلة ستشهد استمرار المعركة لكن ليس على الأرض أو في الجو، بل في عقول الناس.. عبر معركة السرديات.