في مشهد يعكس مهاراته كضابط استخبارات سابق..يتحرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على رقعة الحرب الأوكرانية بخطى دقيقة يجمع فيها بين تصعيد عسكري محسوب ومراوغة دبلوماسية مدروسة بهدف حسم شروط التسوية لصالح موسكو إذا ما جاءت لحظة التفاوض.
فعلى الأرض تصعّد روسيا عملياتها العسكرية بوتيرة محسوبة.. الهجمات بالطائرات المسيّرة لا تتوقف وتحقق أحياناً اختراقات ملحوظة خصوصاً في مناطق مثل دونيتسك و رغم المكاسب المحدودة إلا أن الهدف الحقيقي يبدو سياسياً أكثر من كونه ميدانياً بالضغط على كييف عبر استنزاف قدراتها وإيصال رسالة للغرب مفادها أن موسكو لا تزال تملك أوراقاً قوية على طاولة الصراع.
بوتين لا يريد الحسم العسكري الكامل بل يخطط لتجميد الصراع على شروطه.. فقد أعلن مؤخراً عن "مذكرة سلام" ستقترحها روسيا على كييف في خطوة تُفهم كمحاولة للظهور بمظهر الطرف المستعد للحل بينما تُتهم موسكو من قبل أوكرانيا والغرب بالمماطلة وكسب الوقت.
أما البيت الأبيض رغم كل الجهود لا يزال عاجزاً عن فرض أي اختراق حقيقي و حتى المكالمة الهاتفية بين دونالد ترامب وبوتين في 19 مايو لم تثمر عن هدنة أو جدول زمني.. و المفارقة أن ترامب الذي تباهى دوماً بعلاقته ببوتين شن هجوماً علنياً عليه واصفاً إياه بأنه "يقتل بلا داعٍ" ويحكم بعقلية "قيصر إمبريالي".. لكن بوتين حسب الصحف الأوروبية لعب بترامب كما يشاء ورفض الالتزام بأي تعهدات.
في الميدان تسعى روسيا الآن لإنشاء منطقة أمنية عازلة في كورسك وسومي محاولةً قطع طريق أي توغل أوكراني مستقبلي.. هذه التحركات تأتي عقب تراجع وتيرة التقدم الروسي بحسب بيانات منصة "ديب ستيت" التي أظهرت انخفاض وتيرة التقدم بنسبة 50% مقارنة بعام 2024.
وفي ظل هذا المشهد تزداد الضغوط الأوروبية لاستخدام الأصول الروسية المجمّدة لتمويل دعم أوكرانيا بينما تحذّر موسكو من الرد بالمثل عبر مصادرة أصول شركات غربية.. لعبة الشطرنج الروسية الأوكرانية لا تزال مستمرة وبوتين يُعيد ترتيب القطع بدقة منتظراً اللحظة التي تفرض فيها موسكو إيقاعها الخاص على مفاوضات السلام.