في وثيقة سرّية تمتد على ألفٍ ومئتي صفحة، تظهر ملامح ما قد يكون أضخم مشروع أمني في تاريخ ألمانيا الحديث. خطة تمثل حجر الأساس لاستعدادات "الناتو" لأسوأ سيناريو قد تجرّه الحرب الروسية–الأوكرانية إلى قلب أوروبا.
منذ أن دوّى أول صاروخ في كييف، بدأت برلين تعيد تشكيل نفسها. لم تعد ألمانيا دولةً خلف الخطوط، بل أصبحت، وفق هذه الخطة، عقدة المرور الإلزامية لقوافل عسكرية قد يصل قوامها إلى 800 ألف جندي، ستتجه نحو الجبهة الشرقية إذا اشتعلت المواجهة مع موسكو قبل عام 2030، كما ترجّح تقديرات أوروبية.
لكن تحويل بلدٍ مدني الطابع إلى نقطة انطلاق عسكرية عملاقة، مهمة لا تخلو من التعقيد. فالبنية التحتية التي كانت مصممة للحرب الباردة، تآكلت.
ربع الجسور وخمس الطرق السريعة بحاجة لإصلاحات عاجلة. موانئ بحر الشمال والبلطيق تتطلب استثمارات تتجاوز 15 مليار يورو لتستوعب حركة عسكرية كثيفة.
أما القوانين المدنية، فتكبّل الطائرات المسيّرة العسكرية بقيود جعلت أحدث الأنظمة الألمانية تُصدَّر للخارج، بينما لا يمتلك الجيش منها سوى 14 طائرة فقط.
وعلى الأرض، كشفت التدريبات الأخيرة بهامبورغ هشاشة غير مريحة: موكب عسكري يتوقف لساعتين بسبب متظاهرين، شرطة بلا معدات لإزاحتهم، فجوات بين المركبات يمكن لأي طرف استغلالها، وطائرة مسيّرة مجهولة تحوم فوق التمرين بلا رادع.
في الميدان، تتصاعد الهجمات التخريبية، خطوط سكك حديدية تتعرض للتدمير، وأنظمة كهرباء تخضع للتخريب، وآلاف عمليات "فحص خلفية" لموظفي البنى الحساسة، في مؤشر إلى تهديد يأخذ شكلاً أكثر جرأة.
ومع ذلك، تتحرك برلين اليوم لتوحيد الجيش والشرطة والمستشفيات والقطاع الخاص في إطار "خطة ردع تضع ألمانيا كصمام أمان في قلب أوروبا في زمن أصبحت فيه مخالب الدب الروسي تقترب منها.
فهل تستطيع ألمانيا سد الفجوة بين الخطط المثالية المرسومة على الورق، والجاهزية الفعلية عندما تُقرع طبول الحرب الكبرى؟
