قمة استثنائية، لم تُعقد في موسكو ولا في واشنطن، بل في ألاسكا.. أرض الثلوج التي كانت يوما ما جزءا من الإمبراطورية الروسية.. اختيار المكان لم يكن عبثيا.. بوتين يعرف جيدا رمزية الأرض، وترامب يدرك تماما ما تعنيه الصورة.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصل متحفزا حالمًا بلقب "صانع السلام". لكنه غادر سريعًا، محمّلًا بالكثير من الصور والقليل من المكاسب.. في المقابل، بدا فلاديمير بوتين وكأنه صاحب الأرض الحقيقي: يُستقبل بالسجادة الحمراء، يصعد إلى سيارة "الوحش" الرئاسية الأمريكية، ويتحدث أولا في المؤتمر الصحفي، كأننا أمام مشهد يعكس معادلة معكوسة.. المضيف بدا ضيفا، والضيف تحوّل إلى صاحب السيادة.
لم يُعلن أي اتفاق حول أوكرانيا، لا وقف لإطلاق النار ولا حتى تفاهمات واضحة.. ترامب وعد بالضغط، لكنه عاد بخطاب دبلوماسي غامض، يكرر فيه أن "بوتين كان صريحا جدا"، متجاهلا أن الرجل نفسه هو من بدأ الحرب ويواصلها بلا هوادة.
أما بوتين، فقد كسب ما هو أهم من أي ورقة سياسية.. كسب المعركة الرمزية، فقدّم نفسه للعالم في صورة الندّ المتكافئ مع رئيس الولايات المتحدة بل وأكثر من ذلك، كجارٍ عزيز، كما وصفه بنفسه.
لكن اللافت أن ترامب حاول بعد القمة أن يُعيد زمام المبادرة سياسيا، فأعلن أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي سيزور البيت الأبيض قريبا، ملمحًا إلى أن لقاء بين بوتين وزيلينسكي قد يُعقد إذا سارت الأمور على ما يرام.
مع ذلك، فإن ما رشح من التسريبات أظهر أن بوتين لا يزال يرفض أي وقف مؤقت لإطلاق النار، مفضّلا تسوية شاملة تعيد رسم موازين القوى على الأرض، وهو ما جعل مراقبين يرون أن ترامب بدا وكأنه يلاحق خطوات بوتين، بدل أن يفرض عليه شروط اللعبة.
المحصلة.. بوتين لم يقدّم تنازلات حقيقية، لكنه خرج بصورة المنتصر في معركة العلاقات العامة.. القمة انتهت والحرب مستمرة، والأجوبة الكبرى ما زالت معلقة.. ألاسكا لم تكن مجرد محطة عابرة بل مسرحا جديدا لصراع النفوذ بين قوتين عظميين، خرج منه بوتين رابحا بالرمزية وفق مراقبين، فيما ترك ترامب العالم يتساءل من يقود من؟