في اللحظة التي كان فيها فلاديمير بوتين يتحدث بثقة عن “المبادرة الاستراتيجية” على الجبهات الأوكرانية، كانت معركة أخرى تُدار بهدوء معركة المال، والأصول المجمدة، وحدود التصعيد القادم.
مؤتمر صحافي منسق بدقة، أربع ساعات من الخطاب، ورسالة واحدة تتكرر: روسيا لم تبدأ الحرب، وروسيا تتقدم، وروسيا مستعدة لمواجهة أطول. بوتين بدا وكأنه يخاطب الداخل الروسي بقدر ما يوجه إنذارات للخارج. لا تنازلات إضافية، والكرة، كما قال، في ملعب الغرب، كحذرا من "اللصوص" الذين يحاولون لي ذراع اقتصاد روسيا عبر الأصول المجمدة.
على بعد مئات الكيلومترات، في بروكسل، الملعب يُعاد رسمه بالكامل. الاتحاد الأوروبي يقر حزمة دعم ضخمة لأوكرانيا: 90 مليار يورو لعامي 2026 و2027. رقم لا يُقرأ فقط كدعم مالي، بل كقرار سياسي عالي المخاطر. لأن السؤال الحقيقي ليس، هل يمكن إرغام روسيا على دفع ثمن الحرب، بل كيف سيكون رد الفعل في الكريملين بعد حجز أمواله؟
الأصول الروسية المجمدة، التي تُقدّر بـ275 مليار يورو، تحولت إلى سلاح اقتصادي. أوروبا لم تجرؤ بعد على مصادرتها بالكامل، لكنها فتحت الباب لاستخدامها كضمان. رسالة مبطنة لموسكو: إن لم تدفع التعويضات، فالأموال جاهزة.
هنا يلتقي خطاب بوتين عن الاستعداد لمواجهة واسعة، مع مخاوف أوروبية من تصعيد غير محسوب. بلجيكا تخشى الانتقام، إيطاليا تحذر من ألغام قانونية، وألمانيا تدفع باتجاه استخدام الأصول مهما كان الثمن.
أمام هذا التخبط والمشهد المرتبك، تحذير أوكراني واضح: بدون تمويل، فجوة قد تصل إلى 50 مليار يورو، وجبهة قد تنهار.
بين تقدم عسكري تعلنه موسكو، ودعم مالي ضخم تقره أوروبا، مشهد أكثر خطورة أخذ في الظهور. الحرب ووفقا لأوروبا لم تعد فقط دبابات وطائرات مسيّرة، لقد أصبحت الحسابات البنكية، والمحاكم الدولية، في صلب اللعبة.. واحتمال التصعيد الكبير يتجاوز أوكرانيا نفسها.
السؤال الآن: هل تقود الأصول المجمدة إلى تسوية أم إلى مواجهة أوسع، حيث يصبح المال شرارة حرب جديدة؟