في قلب لبنان، تتسارع الأحداث على وقع سباق حاسم، ربما يحدد مستقبل الاستقرار في جنوب الليطاني، وأمن لبنان الداخلي والخارجي. العنوان الأبرز اليوم.. واشنطن تضغط وباريس تساند، في محاولة لإتمام ما عجز عنه الداخل اللبناني على مدى سنوات، وهو نزع سلاح حزب الله، وفرض سيادة الدولة.
الضغط الأمريكي يتضح في كل خطوة من خطوات الحكومة اللبنانية، إذ وضعت واشنطن مهلة صارمة حتى نهاية هذا الشهر لإنجاز عملية نزع السلاح في جنوب الليطاني، محاولة لاحتواء التهديد الإسرائيلي قبل أن يتحول إلى عدوان جديد.. في المقابل تقدم باريس الدعم الدبلوماسي، من خلال إشادة المسؤولين الفرنسيين بما حققه الرئيس اللبناني جوزيف عون بتعيين مدني في لجنة الميكانيزم، خطوة اعتُبرت رمزاً لإرادة الدولة في استعادة حصرية السلاح بيدها.
لكن الواقع على الأرض يعكس تعقيدات أكبر.. الجيش اللبناني المكلّف بتنفيذ العملية، يواجه تهديدات واضحة من الحزب، الذي سبق وأعلن أنه لن يتسامح مع أي محاولة لنزع سلاحه، ما يجعل أي خطوة تتطلب موازنة دقيقة بين تطبيق القرار واحتواء انفجار داخلي محتمل.
خبراء يؤكدون أن الضمانة الوحيدة للبنان تكمن في الداخل، وليس في الضغوط الدولية، فنجاح الجيش اللبناني بتحقيق تقدم ملموس سيكون الحارس الحقيقي لسِلم البلاد.
على المستوى الدبلوماسي، يواصل لبنان التنسيق مع واشنطن وباريس، لكن إدارة الرئيس الأمريكي تشغل الدور الأبرز، بينما يأتي الدور الفرنسي مكملاً، لدفع بيروت نحو خطوات عملية دون إثارة صدام مباشر مع الحزب، ويبدو أن التعيين المدني في لجنة الميكانيزم ليس مجرد إجراء شكلي، بل محاولة لكسر الجمود المتواصل في المفاوضات، وإظهار قدرة الدولة على تنفيذ قراراتها، بينما تراقب إسرائيل هذه التحركات عن كثب، وتبني على النتائج خطواتها المستقبلية.
المعركة القادمة تبدو أشبه بسباق ضد الساعة.. نجاح لبنان في حصر السلاح بيد الدولة قبل نهاية ديسمبر لن يمنع فقط عدواناً جديداً، بل قد يعيد بناء الثقة الدولية ببيروت، ويثبت أن الدولة قادرة على فرض إرادتها، حتى أمام أطراف مسلحة داخلية وخارجية.
الملف اللبناني، اليوم، ليس مجرد نزاع على السلاح، بل هو اختبار حقيقي لسيادة الدولة وقدرتها على الموازنة بين الضغط الدولي والتحديات الداخلية، وبين ضمان الأمن والاستقرار، ومنع الانزلاق نحو صراع جديد.. كل خطوة لبنانية تراقبها واشنطن، وكل تحرك يرصده الفرنسيون، وكل تهديد من حزب الله قد يغيّر قواعد اللعبة في لحظة.
لبنان يقف على مفترق طرق، وسباق نزع السلاح في جنوب الليطاني أصبح عنوانًا للصراع بين الإرادة الدولية والتحديات الداخلية، وهو اختبار لبقاء الدولة أو استمرار الميليشيا في تحديها للسلطة الشرعية.