ليست عصيةً على منظومات الدفاع الجوي الروسية وإن كانت تستطيع إرباكها إذا أطلقت بموجات كثيفة.. لكن بين روسيا وأوكرانيا لم تعد قوة "صواريخ توماهوك" أو "منظومات باتريوت" تُقاس بفاعليتها في السماء بل باتت بطاقات سياسية تُشهرها الدول حين تضيق سبل المفاوضات..
أملا بالحصول على صواريخ توماهوك طويلة المدى القادرة على تدمير أهداف استراتيجية عالية القيمة في العمق الروسي طرق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي باب البيت الأبيض لكنه عاد خالي الوفاض..
هكذا يمكن اختصار ما حدث مع زيلينسكي الذي طلب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تزويد أوكرانيا بصواريخ توماهوك ليأتيه الجواب بالرفض لأسباب حللتها الصحافة الأمريكية بأن تزويد أوكرانيا بمثل هذا النوع من الصواريخ قد يُفسَّر من قبل موسكو على أنه إعلان مواجهة مباشرة مع الغرب وهو ما ألمحت إليه موسكو مرات عدة.
لذا فضلت أمريكا أن تبقي هذا السلاح في المخازن خاصة وأنه يعد العنصر الأساسي في الترسانة الأمريكية، وقرار تسليمه لأوكرانيا سيكون صعبا أيضا من الناحية التقنية لأن هذه الصواريخ تطلق من المدمرات والغواصات ما يعني أن أوكرانيا ستكون بحاجة إلى جهد مضاعف تنفذه أمريكا على أرضها لتهيئة منصات الإطلاق..
لكن ذلك لا يمنع الغرب عموما والأمريكيين خصوصا من إثارة زوبعة من الأخبار والتحليلات حول " صواريخ توماهوك" قبل كل لقاء محتمل مع الجانب الروسي كورقة ضغط سياسية ليس إلا.. فهل تسمح له ميزاته بأن يكون كذلك حقا؟
يمتاز توماهوك بمدى يتجاوز 1600 كيلومتر ودقة إصابة تقل عن 3 أمتار مع قدرة على التحليق على ارتفاعات منخفضة لتفادي الرادارات وتوجيه يعتمد على الأقمار الصناعية..
مرونته تجعله قابلا للإطلاق من مدمرات وغواصات دون الحاجة لطائرات تخترق الأجواء العادية ولأن تفاصيل الترسانة الأمريكية محجوبة لأسباب أمنية فلا أحد يعلم كم تمتلك منه أمريكا باستثناء بعض التقارير التي تقول إن الولايات المتحدة لديها حوالي 4000 صاروخ وفقا لتحليل أرقام يعود لـ2023..
لكن رغم هذا البريق التكنولوجي يحمل توماهوك ظلا ثقيلا فسرعته دون سرعة الصوت أي 880 كم/ساعة تجعله عرضة للرصد والاعتراض من قبل أنظمة دفاع متطورة مثل إس 400 وإس 500 الروسية.
إضافة إلى ذلك فإن تكلفته التي تقدر بحوالي 1.5 إلى 2 مليون دولار للصاروخ الواحد تضعه دائما تحت المقارنة مع أسلحة أرخص مثل الطائرات المسيرة التي باتت تؤدي أدوارا مماثلة وبكفاءة مقبولة، لكن الأهم من ذلك هو أن توماهوك صاروخ يؤرق صناع القرار أكثر من العدو، لأن إطلاقه باتجاه العمق الروسي يعني أن شرارة الحرب الواسعة قد أُشعلت فإذًا يمكن القول بأن المنطقة الرمادية تليق بالتوماهوك، لكن ماذا بالنسبة لمنظومة باتريوت؟
"لا يمكنك أن تبدأ حربًا ضد من هو أكبر منك بعشرين مرة، ثم تتوقع أن يمنحوك صواريخ هجومية"هذا ما قاله ترامب لزيلينسكي ردا على طلب الأخير صواريخ توماهوك الأمر الذي دفع الرئيس الأوكراني إلى طرق باب آخر؛ علّه يحصل على الأقل على منظومات باتريوت لحماية سماء أوكرانيا من الهجمات الروسية المكثفة...
باتريوت هو أحد أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطورًا بقدرته على التصدي لصواريخ كروز الباليستية وحتى المسيرات الانتحارية لكن حتى هذا النظام الحيوي لا يُمنح بسهولة فتكلفة البطارية الواحدة تتجاوز مليار دولار والصاروخ قرابة 4 ملايين دولار.
وتنظر كييف إلى منظومات الباتريوت على أنها أكثر الأنظمة فاعلية لإيقاف الصواريخ الباليستية الروسية وبالفعل حصلت أوكرانيا من واشنطن على بطاريتي باتريوت وصواريخها وفق إفصاح رسمي بتاريخ سبتمبر 2024 إضافة إلى حصولها على ثلاثة أنظمة باتريوت من ألمانيا والنرويج وهي تستمر بالمفاوضات للحصول على المزيد.
رغم دقتها وقوتها وتأثيرها تبقى صواريخ توماهوك حبيسة الحسابات الأمريكية بينما باتريوت ورغم ضرورته لحماية الأجواء الأوكرانية لا يُسلّم إلا بجرعات محسوبة وبعد نقاشات طويلة.. فكل سلاح سواء أُطلق أو لم يُطلق بات يحمل وظيفة مزدوجة.. الردع العسكري من جهة والضغط السياسي من جهة أخرى..
وفي كل الحالات لا شيء يمنح بالمجان ولا شيء يمنح خارج لحظته السياسية ولا يمكن للسلاح إلا أن يكون أداة تخدم من يملك القرار.