من قلب المغرب لم يكن هدف محمد صلاح القاتل في شباك زيمبابوي مجرد إعلان عن ثلاث نقاط غالية للمنتخب المصري في افتتاح كأس الأمم الأفريقية، بل كان بمثابة بريد عاجل موجه إلى إنجلترا، وتحديدًا إلى مكتب المدرب الهولندي أرني سلوت في ليفربول.
الملك المصري اختار ليلة الافتتاح ليقدم عرضًا يثبت فيه أن العمر مجرد رقم، وأن قيمته الفنية تتجاوز مجرد كونه هدافًا، موجهًا 4 رسائل نارية لا تقبل التشكيك:
الرسالة الأولى كانت الأوضح والأقسى. في الوقت الذي يلجأ فيه سلوت غالبًا لاستبدال صلاح بعد الدقيقة 70 بدعوى الحفاظ على لياقته أو تراجع المجهود البدني، أثبت قائد الفراعنة خطأ هذه النظرية تمامًا. حتى الدقيقة 90+1، كان صلاح يركض بنفس المخزون البدني الذي بدأ به اللقاء.
الهدف القاتل لم يأتِ من وقوف، بل جاء نتاج تحرك ذكي وتمركز يتطلب صفاءً ذهنيًا وبدنيًا لا يملكه إلا لاعب يحافظ على جسده بصرامة. صلاح يقول بلسان الحال: لا تحكم عليَّ بمعايير اللاعبين العاديين، طاقتي لا تنفد بقرار إداري، بل تنفجر حين يحتاجها الفريق.
بينما يعاني ليفربول هذا الموسم من إهدار الفرص السهلة ورعونة بعض المهاجمين أمام المرمى في اللحظات الحاسمة، قدم صلاح درسًا مجانيًا في الدم البارد. استلام الكرة وسط تكتل دفاعي لزيمبابوي في الثواني الأخيرة، ثم وضعها في الشباك بتلك الدقة، هو ما يميز النجم عن اللاعب الجيد.
هذه اللمسة هي العملة النادرة التي يفتقدها ليفربول حاليًا في المباريات المغلقة. رسالة صلاح لسلوت كانت واضحة: عندما تغلق كل الأبواب، أنا المفتاح.. والبدائل التي تعتمد عليها لم تصل بعد لهذا المستوى من الحسم.
لم يكتفِ صلاح بالدور الفني؛ بل تقمص دور المدرب داخل المستطيل الأخضر. طوال الـ 90 دقيقة، شوهد صلاح وهو يوجه زملاءه، يطلب من خط الوسط التقدم، ويشد من أزر المدافعين بعد هدف التقدم لزيمبابوي.
هذه الكاريزما القيادية والصوت المسموع في الملعب هو شيء يبدو غائبًا عن ليفربول في فترات التخبط. صلاح أثبت أنه ليس مجرد جناح هداف، بل هو العمود الفقري المعنوي للفريق، وهي صفة يحتاجها الريدز بشدة لضبط إيقاع اللاعبين الشباب.
رغم كل الأحاديث عن الرحيل والضغوط الإعلامية، والرقابة اللصيقة التي فرضها دفاع زيمبابوي، حافظ صلاح على ثباته الانفعالي. لم يختفِ، لم ييأس، ولم يتأثر بالخشونة.
هذه الاستمرارية في التسجيل وصناعة الفارق مع المنتخب – وهي بيئة أصعب تكتيكيًا ومناخيًا من أوروبا – تؤكد أن صلاح لا يزال يمتلك الشغف والجوع للتهديف.
الرسالة الأخيرة لسلوت: "الرهان عليَّ هو الرهان الوحيد المضمون، وأي تفكير في تقليص دوري هو مخاطرة غير محسوبة العواقب".