بإعلان أسطورة الكرة المصرية ورئيس النادي الأهلي، محمود الخطيب، اعتذاره عن عدم الترشح لفترة رئاسية جديدة، يسدل الستار على حقبة مهمة في تاريخ القلعة الحمراء، ويفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات جوهرية حول مستقبل وهوية من سيقود النادي في مرحلة مقبلة، تزداد فيها التحديات الاقتصادية تعقيدًا.
هذا القرار لم يكن مجرد تغيير إداري، بل قد يمثل نقطة تحول تاريخية، تنهي عصر "أبناء النادي" من نجوم الكرة على مقعد الرئاسة، لتُشرع الأبواب أمام عصر رجال المال والأعمال، أو المليارديرات.
خلفاء محتملون من عالم المال
بالنظر إلى الأسماء المرشحة بقوة لخلافة الخطيب، نجد قاسمًا مشتركًا واضحًا، جميعهم رجال أعمال من الطراز الثقيل، لم يلمسوا كرة القدم كلاعبين محترفين، لكنهم يمتلكون ما هو أهم في لغة العصر.. القوة المالية والفكر الاقتصادي.
يأتي على رأس القائمة اسم الملياردير ياسين منصور، الذي يمتلك خبرة سابقة داخل النادي كرئيس لشركة الأهلي لكرة القدم، ويعد أحد أكبر رجال الأعمال في مصر.
كما يُطرح اسم رجل الأعمال الشهير نجيب ساويرس، بثقله الاقتصادي وخبراته الاستثمارية الواسعة، وينضم إليهما أحمد أبو هشيمة، رجل الصناعة البارز الذي يشغل منصب رئيس لجنة الشباب والرياضة بمجلس الشيوخ، بالإضافة إلى الرئيس الأسبق للنادي، المهندس محمود طاهر، وهو رجل أعمال له باع طويل في الإدارة ونجح في تحقيق طفرة في عقد رعاية النادي خلال فترة ولايته.
نموذج لابورتا وبيريز يحكم
هذا التحول ليس مصريًّا خالصًا، بل هو اتجاه عالمي أثبت نجاحه في أكبر قلاع كرة القدم الأوروبية، فناديا ريال مدريد وبرشلونة، قطبا الكرة الإسبانية، يقودهما رجلان لم يمارسا كرة القدم، لكنهما من العباقرة في عالم الاقتصاد والإدارة.
فلورنتينو بيريز، رئيس ريال مدريد، هو في الأساس مهندس ورئيس إحدى أكبر شركات المقاولات في العالم. نجح بيريز عبر سياسة "الغلاكتيكوس" والتسويق الاحترافي في تحويل ريال مدريد إلى المؤسسة الرياضية الأعلى قيمة في العالم، مُعظِّمًا موارد النادي بشكل سنوي مذهل.
على الجانب الآخر، ورغم التحديات الهائلة، أتى المحامي ورجل الأعمال خوان لابورتا لينقذ برشلونة من إفلاس محقق. عبر ما سمّاه "الرافعات الاقتصادية"، تمكن من توفير سيولة مالية عاجلة أعادت النادي للمنافسة، في ظروف طبيعية كانت كفيلة بإنهاء أسطورة برشلونة تمامًا.
لابورتا وبيريز هما الدليل القاطع على أن إدارة نادٍ بحجم الأهلي لم تعد تحتاج إلى "ابن النادي" الذي يفهم في الكرة فقط، بل إلى "رئيس" يفهم في لغة المليارات.
المال يتحدث
لماذا يبدو عصر أبناء النادي قد انتهى؟ لأن كرة القدم الحديثة تحولت إلى صناعة اقتصادية بامتياز. الملاليم أصبحت مليارات، والعقود والرعايات والصفقات تتطلب عقلية اقتصادية فذة لإدارتها وتنميتها.
إن من يدير النادي اليوم يجب أن يكون قادرًا على فهم قيمة العلامة التجارية، واستغلالها لتحقيق أقصى استفادة تضمن للنادي تفوقه المالي والرياضي.
التركة التي يتركها الخطيب، بتاريخه الكروي الحافل، قد تكون الأخيرة من نوعها. فالمرحلة القادمة في الأهلي، كما هي في العالم، تتطلب رئيسًا رجل أعمال، يعرف كيف يجعل المال يتحدث لغة الانتصارات والبطولات. وأيًّا كانت هوية الرئيس القادم، فمن المؤكد أن خلفيته الاقتصادية ستكون هي بطاقة عبوره الأولى إلى قلعة الجزيرة.