في عالم التدريب، لا تكفي الألقاب وحدها لتصنع حصانة، ولا يضمن النجاح على العشب الأخضر البقاء في القمة. أحيانًا، تكون الكلمات أقوى من الخطط التكتيكية، والتصريحات الإعلامية أخطر من أي هجمة مرتدة. هذا هو الدرس الذي أتقنه ببراعة الألماني ماتياس يايسله، مدرب الأهلي السعودي، ورسب فيه بامتياز الفرنسي لوران بلان، مدرب الاتحاد المقال.
لم تكن إقالة بلان مجرد رد فعل على بضع نتائج سيئة، بل كانت نهاية حتمية لمسيرة "انتحار كروي" بدأها المدرب بنفسه خارج الملعب.
في الوقت الذي واجه فيه يايسله انتقادات حادة، حوّلها إلى فرصة لكسب ود الجمهور، فتواصل معهم واحترم غضبهم، ليتحول المدرج إلى درعه الواقي الذي حماه من الإقالة، على النقيض، اختار بلان طريق التعالي، فبنى جدارًا بينه وبين المدرجات، ليصبح الجمهور هو أول من طالب برحيله.
فيما التقرير الآتي، نقدم لكم كتالوجًا من 5 خطوات تشرح كيف يمكن لمدرب بطل أن يدمر مسيرته بنفسه، وهي الخطايا الخمس التي ارتكبها لوران بلان بلسانه.
الخطوة الأولى: مجّد خصمك على حساب فريقك
"الهلال أقوى منا"، ربما تكون هذه هي الجملة التي قصمت ظهر العلاقة بين بلان وجماهير الاتحاد. خرج المدرب الفرنسي بتصريح بدا وكأنه استسلام مسبق، معترفًا بأفضلية المنافس المطلقة. بالنسبة لجمهور نادٍ بحجم الاتحاد، هذا التصريح لا يُقرأ على أنه تحليل فني، بل كإعلان صريح بالدونية وعدم القدرة على المواجهة، وهو ما يقتل الروح القتالية التي يُبنى عليها تاريخ النادي.
الخطوة الثانية: قلّل من إنجازك التاريخي
"لم نكن الأفضل في موسم الفوز بالدوري". حتى في أوج انتصاره وتحقيق ثنائية تاريخية، نجح بلان في تقزيم إنجاز فريقه. قد يكون قصده الإشادة بالروح الجماعية التي تغلبت على الفوارق، لكن ما سمعه المنافسون والجمهور كان شيئًا آخر: اعتراف بأن اللقب لم يأتِ عن جدارة فنية مطلقة.
لقد أهدى خصومه سلاحًا مجانيًّا للتقليل من قيمة ما حققه الاتحاد، وبدلًا من أن يكون هو المدافع الأول عن إنجاز لاعبيه، بدا وكأنه أول المشككين فيه.
الخطوة الثالثة: عش على أمجاد الماضي
"لماذا نغير ونحن فزنا الموسم الماضي؟". كان هذا رده على المطالبات بتغيير تكتيكيات الفريق وتعزيز التشكيلة، هذا التصريح كشف عن عقلية تفتقر للطموح وتكتفي بما تحقق.
في كرة القدم الحديثة، الوقوف في مكانك يعني التراجع، خاصة عندما يقوم منافسوك بتدعيم صفوفهم بأبرز نجوم العالم. رفض التطور والعيش على أطلال الماضي كان بمثابة إعلان بأن الفريق لا يملك رؤية للمستقبل.
الخطوة الرابعة: ارسم سقفًا منخفضًا للطموح
"هدفنا أحد المراكز الثلاثة الأولى". بالنسبة لفريق هو حامل اللقب، لا يوجد سوى هدف واحد: الحفاظ على اللقب. أي هدف آخر هو تراجع غير مقبول.
عندما يضع المدرب سقف طموحات منخفضًا بهذا الشكل، فهو يرسل رسالة سلبية للاعبين والجمهور على حد سواء، مفادها أن تكرار الإنجاز هو أمر بعيد المنال. لقد حوّل عقلية البطل إلى عقلية منافس على مقعد مؤهل لبطولة قارية.
الخطوة الخامسة: تحدَّ جمهورك بشكل مباشر
"لا يهمني استهجان الجمهور". كانت هذه هي الرصاصة الأخيرة التي أطلقها بلان على مسيرته في جدة. في هذه النقطة يتجلى الفارق الجوهري بينه وبين يايسله.
بينما فهم المدرب الألماني أن الجمهور هو الشريك الاستراتيجي الأول والأقوى لأي مدرب، تعامل بلان معهم كضجيج في الخلفية يمكن تجاهله. لقد أعلن الحرب على الجهة الوحيدة التي كان يمكن أن تدعمه عندما تسوء النتائج، فكان من الطبيعي أن يكونوا هم أول من يطالب برحيله عندما حانت اللحظة.