في عالم كرة القدم، غالبا ما يتم تقييم اللاعبين بناءً على أرقامهم وإحصائياتهم، عدد الأهداف، التمريرات الحاسمة، والمسافات المقطوعة.
لكن هناك عاملاً خفياً، لا يقل أهمية عن المهارة الفنية، بل قد يتفوق عليها في اللحظات الحاسمة: "الشخصية".
هذا العامل هو ما يميّز اللاعب العظيم عن اللاعب الجيد، وهو بالضبط ما جلبه المهاجم الإنجليزي إيفان توني إلى النادي الأهلي السعودي، ليغير وجه الفريق من مجرد مجموعة نجوم إلى كتيبة مقاتلين حققوا دوري أبطال آسيا للنخبة وكأس السوبر السعودي في ظرف أشهر.
عقلية المقاتل.. ما كان ينقص الأهلي
لم يأتِ توني ليكون مجرد رأس حربة تقليدي، بل جاء ليجسد مقولة شهيرة في عالم كرة القدم: "الكتيبة التي تخلو من قائدٍ ذي بأس، تُهزم قبل أن تبدأ المعركة"، والمقصود هنا ليس الخروج عن النص، بل امتلاك تلك الجرأة والثقة بالنفس التي ترهب الخصوم وتلهم الزملاء.
شخصية توني قوية، فهو لا يخشى المواجهة داخل الملعب أو خارجه، تصريحاته النارية التي سبقت كأس السوبر، حين أشار إلى أن "لا أحد يريدنا أن نفوز"، لم تكن مجرد حرب نفسية، بل كانت رسالة واضحة لغرفة الملابس مفادها: "نحن في مواجهة العالم، فلتكونوا على قدر المسؤولية"، هذه العقلية هي ما كان ينقص الأهلي تحديدًا؛ عقلية التحدي ورفض دور الضحية.
من أزمة المراهنات إلى رمز للصلابة
إن قوة شخصية توني تتجلى في أبهى صورها عند النظر إلى مسيرته، فاللاعب الذي واجه اتهامات بالمراهنات الرياضية، واعترف بخطئه، ثم عوقب بالإيقاف لفترة طويلة، كان من الممكن أن ينتهي كليًا.
لكن العودة بهذه القوة الذهنية والبدنية لا تتطلب مجرد موهبة، بل تتطلب شخصية فولاذية لا تعرف الانكسار. هذا النوع من اللاعبين لا يكتفي بتسجيل الأهداف، بل يبث الروح في الفريق بأكمله.
عندما يرى زملاؤه مهاجمهم يقاتل على كل كرة، ويصطدم بالمدافعين دون خوف، ويواجه الإعلام بثقة مطلقة، فإن هذه الطاقة تنتقل إليهم حتما.
درس ميسي.. حين تتفوق الشخصية على الموهبة
ولعل أفضل مثال على أهمية الشخصية القيادية هو التحول المذهل الذي شهده ليونيل ميسي مع منتخب الأرجنتين.
لسنوات طويلة، كان ميسي الساحر الخجول، اللاعب الأفضل في العالم فنيا، لكنه كان يفتقر إلى تلك اللمسة القيادية التي تمتع بها مارادونا.
وخلال تلك الفترة، خسر المنتخب الأرجنتيني النهائيات تلو الأخرى، ولكن عندما تحول ميسي، وأصبح القائد الذي يصرخ في وجه الخصوم والحكام، ويدافع عن زملائه بشراسة، رأينا نسخة مختلفة تماما من الأرجنتين؛ نسخة لا تُقهر اكتسحت كوبا أمريكا وكأس العالم.
القطعة التي أكملت الصورة
إيفان توني يجلب هذه النسخة من الشخصية القيادية إلى الأهلي منذ اليوم الأول، فهو ليس بحاجة إلى وقت ليتحول، بل وصل وهو قائد بالفطرة، ومقاتل لا يهاب شيئًا.
تأثيره لا يقتصر على تسجيل الأهداف الحاسمة، بل يمتد إلى غرس عقلية الانتصار ورفض الهزيمة في كل فرد من أفراد الفريق، لقد أثبت توني أن كرة القدم لا تُلعب بالأقدام فقط، بل بالعقول والقلوب الجريئة، وهو بلا شك "قلب الأسد" الذي كان الأهلي يبحث عنه ليعود إلى مكانه الطبيعي في قمة المجد.
