بات نادي الاتحاد السعودي لغزًا عصيًّا على الفهم هذا الموسم، حتى بالنسبة لمدربه البرتغالي سيرجي كونسيساو، فبينما يُكشر "العميد" عن أنيابه في مسابقة كأس خادم الحرمين الشريفين، وآخرها الإطاحة بالشباب والوصول لنصف النهائي بعد إقصاء النصر سابقًا، نجده يتحول إلى فريق وديع، سهل الانقياد، ويتلقى هزائم قاسية في دوري النخبة الآسيوي والدوري المحلي، ولعل سقوط الدحيل لا يزال شاهدًا.
هذا التباين الصارخ دفع كونسيساو نفسه للتصريح بأنه لا يملك إجابة واضحة لهذا التذبذب، ولكن بقراءة أعمق لواقع النمور، يمكننا تلخيص هذا اللغز في 5 أسباب جوهرية تجعل الاتحاد فريقًا بوجهين مختلفين تمامًا بين المسابقات.
1. تباين الحافز النفسي: الكأس طوق نجاة
يبدو أن لاعبي الاتحاد يتعاملون مع بطولة الكأس بمنطق حياة أو موت، في ظل الابتعاد عن صدارة الدوري وصعوبة المنافسة النفسية في النخبة الآسيوية، أصبحت الكأس هي طوق النجاة الوحيد لإنقاذ الموسم من الخروج الصفري.
هذا الضغط الإيجابي يولد شراسة قتالية في مباريات الكؤوس، بينما يفتقد الفريق هذا الحافز المستمر في مباريات الدوري والنخبة التي تتطلب نفَسًا طويلًا وتجميعًا للنقاط؛ ما يؤدي إلى التراخي بمجرد الشعور ببعد اللقب.
2. أزمة التحضير للمباريات القارية (ما وراء تصريح كونسيساو)
لم يكن تصريح المدرب البرتغالي عقب بعض التعثرات الآسيوية مجرد كلام عابر، حين ألمح إلى أمور أخرى خارج الملعب. يبدو أن الاتحاد يعاني خللًا إداريًّا أو لوجستيًّا في التحضير للمباريات الخارجية تحديدًا.
سواء كان الأمر يتعلق بإرهاق السفر، أو ضعف التهيئة الذهنية للاعبين قبل المواجهات القارية، فإن الفريق يدخل مباريات آسيا (مثل مباراة الدحيل) وهو مفكك ذهنيًّا قبل أن يكون فنيًّا، وهو ما لا يحدث في المباريات المحلية الكبرى حيث يكون التركيز منصبًّا بالكامل داخل المستطيل الأخضر.
3. نقص العمق في التشكيلة (ضريبة النفس الطويل)
هنا تظهر الفوارق الفنية بوضوح. الاتحاد يمتلك تشكيلة أساسية قوية (11 لاعباً)، لكن دكة البدلاء لا تملك الجودة التي تضاهي فرقاً مثل الهلال أو كبار آسيا.
في بطولات الماراثون مثل الدوري والنخبة، يحتاج الفريق للمداورة لإراحة النجوم، غياب البديل الجاهز يؤدي إلى استنزاف بدني هائل للاعبين الأساسيين؛ ما يفسر الانهيار البدني في الشوط الثاني من المباريات القارية، بينما ينجح الفريق في الكأس لأنها مباريات متباعدة وتسمح باللعب بكامل القوة الضاربة.
4. فخ التكتل الدفاعي: سلاح ذو حدين
يعتمد كونسيساو بشكل كبير على التحفظ الدفاعي وإغلاق المساحات مع اللعب على المرتدات، وهو أسلوب نجح بامتياز أمام النصر والشباب في الكأس، حيث تندفع الخصوم للهجوم فيتركون مساحات خلفهم.
لكن هذا الأسلوب ينكشف بوضوح في آسيا وأمام فرق الدوري التي تلعب بحذر، عندما يواجه الاتحاد فرقاً تمتلك جودة عالية في التمرير واختراق التكتلات، أو عندما يكون الاتحاد مطالباً بصناعة اللعب، يظهر العجز التكتيكي وتتحول الصلابة الدفاعية إلى ثغرات سهلة الاختراق بمجرد استقبال هدف واحد.
5. لغز النجوم الكبار: تذبذب قاتل
لا يمكن إغفال دور الأفراد. يعاني الاتحاد تذبذبا غريبا في مستوى أعمدته الرئيسية. كريم بنزيما، نغولو كانتي، وفابينيو يقدمون مستويات عالمية في مباراة، ويختفون تماماً في التالية.
هذا التذبذب يؤثر مباشرة في شخصية الفريق. في مباريات الكأس، يحضر النجوم ذهنياً بدافع التحدي المباشر، أما في الروتين الأسبوعي للدوري أو ضغط السفر الآسيوي، فإن الحسم الفردي يغيب؛ ما يجعل الفريق يبدو بلا قائد حقيقي في الملعب عند الأزمات.
الخلاصة
الاتحاد ليس فريقاً ضعيفاً، بل هو فريق غير متوازن. الوصول لنصف نهائي الكأس خطوة ممتازة، لكن إذا لم يعالج كونسيساو أزمة العمق والتحضير الذهني للمسابقات الأخرى، سيظل النمر يزأر محلياً في الكأس، بينما يفقد هيبته كلما اتسعت رقعة المنافسة.