سقطة مدوية هزت أركان نادي الاتحاد، ففي ليلة كانت تعد بالكثير، وجد "العميد" نفسه خارج سباق كأس السوبر السعودي بخسارة قاسية أمام غريمه التقليدي النصر.
لم تكن مجرد هزيمة، بل جاءت بطريقة درامية زادت من مرارتها، فالنصر لعب منقوصاً من نجمه ساديو ماني ببطاقة حمراء منذ وقت مبكر.
مباشرة بعد صافرة النهاية، انطلقت عاصفة من الانتقادات والهجوم، وتعالت الأصوات في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي معلنةً عن "نهاية الحلم" و"خيانة التوقعات"، وأن "مشروع كريم بنزيما" قد انهار قبل أن يبدأ حصاده الحقيقي.
لكن بعيداً عن ضجيج الخسارة وصخب الإعلام، هل الصورة حقاً بهذا السواد؟ وهل يُعقل أن يُحكم على مشروع بهذا الحجم بالفشل من مباراة واحدة؟
قراءة في دفتر الهزيمة.. هل هي حقاً نهاية القصة؟
إن إطلاق حكم نهائي بإنهيار مشروع رياضي ضخم بناءً على مباراة واحدة، مهما كانت أهميتها وقسوتها، هو حكم متسرع يفتقر للمنطق والإنصاف. فكرة تضخيم الخسارة وتصوير الفريق وكأنه قد تفكك تماماً تتجاهل عدة حقائق مهمة. أولاً، الهزيمة جاءت أمام فريق كبير هو النصر، أحد أقوى المنافسين على الساحة، والخسارة أمامه تبقى نتيجة واردة في عالم كرة القدم حتى في أفضل الظروف، فما بالك عندما تكون المباراة في ختام فترة الإعداد للموسم الجديد، حيث لا تزال الفرق تبحث عن الانسجام الكامل والوصول لأفضل جاهزية فنية وبدنية.
التاريخ مليء بقصص أبطال عالميين بدأوا مواسمهم بتعثرات غير متوقعة، لكنهم أنهوا الموسم على منصات التتويج. من الطبيعي حدوث مثل هذه الهزائم، والأهم هو كيفية التعلم منها.
ثغرة في القلب.. أزمة خط الوسط ليست انهياراً شاملاً
الأزمة التي يصورها البعض على أنها انهيار كامل للمنظومة، قد تكون في حقيقتها مجرد ثغرات واضحة وقابلة للإصلاح. أظهرت مباراة النصر أن المشكلة لا تكمن في قيمة النجوم الكبار كبنزيما أو نجولو كانتي، بل في المنظومة المحيطة بهم، وتحديداً في منطقة وسط الملعب التي افتقرت للديناميكية، والقدرة على الربط بين الدفاع والهجوم. بدت هناك مساحة شاسعة بين ارتكاز كانتي الدفاعي ومهاجم الفريق بنزيما، وهي المنطقة التي يُفترض أن يوجد فيها لاعب وسط حيوي قادر على نقل الكرة وخلق الفرص.
هذه ليست أزمة هوية، بل مشكلة فنية يمكن حلها. قد يكون كل ما يحتاجه الفريق هو صفقة أو اثنتين للاعبين مهمين في هذا المركز لإعادة التوازن المفقود. المشكلة تبدو فنية وتكتيكية أكثر من كونها انهياراً في روح الفريق أو فشلاً للمشروع من أساسه، وهي مسؤولية الجهاز الفني والإداري في تحديدها ومعالجتها قبل انقضاء فترة الانتقالات.
بنزيما.. القائد الذي ينتظر كتيبته
أما بالنسبة لكريم بنزيما نفسه، فإن قيمته كقائد وهداف عالمي لا جدال فيها، لكن كرة القدم لعبة جماعية. "مشروع بنزيما" لا يعني أن يحمل اللاعب الفرنسي الفريق على كتفيه بمفرده، بل يعني بناء فريق متكامل يكون هو القطعة الأهم واللمسة الأخيرة فيه.
رأينا كيف اضطر بنزيما للعودة إلى منتصف الملعب لمحاولة استلام الكرة وبناء اللعب، وهو ما يفقده خطورته الحقيقية داخل منطقة الجزاء. هذا يثبت أن المشكلة ليست في اللاعب، بل في النظام الذي لم يخدمه بالشكل الكافي. تماماً كما كان في ريال مدريد، يتألق بنزيما عندما تكون المنظومة من خلفه قوية ومتماسكة.
الخسارة الأخيرة لا تدين بنزيما، بل تكشف عن حاجة الفريق الماسة لتكون المنظومة كلها على نفس القدر من الجودة لدعم قائدها بالشكل الأمثل.
الحكم لا يزال في الملعب.. والمشروع على قيد الحياة
في الختام، الأمور ليست بهذا السوء الذي يصوره البعض. الخسارة أمام النصر كانت بمثابة صفعة قوية وصدمة مؤلمة، لكنها قد تكون أيضاً جرس إنذار صحي ومفيد لإدارة النادي والجهاز الفني لتحديد مكامن الخلل ومعالجتها قبل فوات الأوان.
الحكم الآن مبكر جداً، فالدنيا ليست سوداء، والأمور قد تكون عادية في سياق موسم طويل وشاق. مشروع الاتحاد لم يمت، بل واجه أول اختبار حقيقي له في الموسم الجديد. والآن، الكرة في ملعب الإدارة لتوفير الدعم المطلوب، وفي ملعب الجهاز الفني لتصحيح الأخطاء، فالبطولات لا تُحسم من مباراة واحدة في أغسطس.
