لم يكن المؤتمر الصحفي الأخير للألماني هانزي فليك مجرد حديث روتيني عن مباراة قادمة أو أزمة حراسة المرمى فحسب؛ بل كان بمثابة بيان عسكري يعلن فيه الجنرال الألماني انتهاء فترة الكابوس التي عاشها الفريق في الشهور الماضية بسبب لعنة الإصابات، وبدء مرحلة الحصاد الحقيقي.
فليك كان واضحا وصريحا: "هدفنا هو المنافسة على كل الألقاب"، لكنه أرفق هذا الطموح بجملة مفتاحية تكشف فلسفته: "الطريق لا يزال طويلًا". بين الحلم والواقع، وبين عودة المصابين وتنوع الحلول، يبدو أن برشلونة تحوّل إلى وحش كاسر يصعب ترويضه.
في السطور التالية، نستعرض 5 مؤشرات تؤكد أن البارسا بات جاهزًا لافتراس الأخضر واليابس:
1. عودة الحرس القديم وانتهاء مستشفى برشلونة
المؤشر الأول والأهم هو اكتمال الصفوف، لشهور طويلة، اضطر فليك للعب بمن حضر، معتمدا على أطفال لاماسيا لسد الثغرات.
اليوم، ومع عودة الركائز الأساسية للمباريات المتتالية اختلف المشهد تماما. عودة لاعبين بحجم رافينيا ويامال وبيدري تعني أن الفريق استعاد عموده الفقري. لم يعد المدرب مضطرا للترقيع؛ بل أصبح يمتلك رفاهية الاختيار؛ وهو ما يجعل الفريق أكثر صلابة بدنيا وذهنيا في مواجهة ضغط المباريات المتوالي.
2. جودة فنية مرعبة
تحدث فليك عن تحسن الجودة في التدريبات، وهذا ليس مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي؛ إذ عندما يتدرب الفريق بكامل نجومه، ترتفع وتيرة المنافسة الداخلية.
اللاعب الاحتياطي يقاتل ليثبت نفسه، والأساسي لا يضمن مكانه. هذه الحالة خلقت قفزة نوعية في الأداء الفني للمجموعة ككل ولنا في فرينكي دي يونج العبرة بعدما جلس على مقاعد البدلاء لأسابيع وهو من كان يتغنى فليك بأدواره في بداية الموسم.
الكرة أصبحت تدور أسرع، والضغط العكسي أصبح أشرس؛ لأن الجودة الفنية للاعبين المتاحين الآن تسمح بتطبيق أفكار فليك المعقدة بدقة متناهية لم تكن متاحة وقت الأزمة.
3. الواقعية الألمانية: حلم الثلاثية بعيون مفتوحة
أذكى ما قاله فليك هو جملة "الطريق طويل". برشلونة في السنوات الماضية كان يقع في فخ النشوة المبكرة، حيث يرتفع سقف التوقعات ثم ينهار الفريق عند أول تعثر.
فليك هنا يمارس دور الطبيب النفسي؛ يزرع الرغبة في الفوز بالثلاثية (الدوري، الكأس، الأبطال) كهدف مشروع، لكنه يربطه بالعمل الشاق والواقعية.
هذا التوازن يحمي اللاعبين من الغرور، ويجعلهم يركزون على كل مباراة كأنها نهائي، وهو سر الاستمرارية التي افتقدها الفريق سابقا.
4. ترسانة هجومية وتنوع تكتيكي لا يرحم
لعل أخطر ما يميز بارسا فليك الآن هو تنوع مصادر الخطورة، الخصم لم يعد يعرف من أين تأتي الضربة. هل يراقب لامين يامال وسحره على الطرف؟ أم يخشى تحركات رافينيا في العمق؟ أم يواجه خبرة ليفاندوفسكي القاتلة؟
حتى الدكة أصبحت مرعبة؛ وجود ماركوس راشفورد بسرعته، وفيران توريس بذكائه، وفيرمين لوبيز بطاقته المتفجرة وانطلاقته من العمق، يعطي فليك مرونة تكتيكية هائلة.
أضف إلى ذلك إمكانية استخدام إريك جارسيا في الوسط أو الدفاع، وجول كوندي كرأس حربة ضد آينتراخت فرانكفورت ومن قبله أراوخو قبل إجازته الأخيرة، وحتى فرينكي دي يونج (قبل توتر العلاقة مؤخرًا وتجميده) كان جزءًا من هذه المنظومة. هذا التنوع يجعل الفريق غير قابل للقراءة من قبل الخصوم، فلكل مباراة تشكيلة، ولكل تكتيك مضاد حل جاهز.
5. شخصية البطل: العودة من بعيد (الريمونتادا المصغرة)
المؤشر الخامس والأكثر دلالة على نضج الفريق هو عقلية الفوز. في المباريات الأخيرة، رأينا برشلونة يتأخر في النتيجة، لكنه لا ينهار كما كان يحدث في الماضي القريب.
الفريق أصبح يمتلك هدوءا مرعبا وثقة في قدرته على العودة. تكرار سيناريو التأخر ثم الفوز وقلب الطاولة يعكس شخصية قوية تم بناؤها في غرفة الملابس.
برشلونة لم يعد يفوز فقط عندما يلعب جيدا، بل يفوز حتى وهو في أسوأ حالاته أو متأخر في النتيجة، وهذه هي السمة الأساسية لأي فريق يريد معانقة الذهب في نهاية الموسم.
الخلاصة:
برشلونة مع فليك تجاوز مرحلة البناء ودخل مرحلة الهيمنة. إذا استمرت هذه المؤشرات، وتجنب الفريق لعنة إصابات جديدة، ونجح في الحصول على دعم معقول في سوق الانتقالات الشتوية فإننا أمام نسخة قد تعيد للأذهان أمجاد الماضي القريب، وربما تكون الثلاثية ليست مجرد حلم، بل هدف في المتناول.