المعاناة قد تكون سلاحًا ذا حدين، إما أن تكسر صاحبها، وإما تصقله ليصبح أكثر صلابة، البعض يستسلم للألم، والبعض الآخر يحوله إلى أمل، رغم أن الكلمتين تتكونان من الحروف ذاتها. النجاح ليس مجرد موهبة أو اجتهاد فقط، بل هو قدرة على تحمل الضغوط وتخطي العثرات وتحويل الصدمات إلى دافع للاستمرار.
في كرة القدم، كما في الحياة، هناك لاعبون تُفتح لهم الأبواب بسهولة، وهناك آخرون يُجبرون على كسر الأبواب المغلقة بأيديهم.
عمرو الجزار، مدافع غزل المحلة، ينتمي إلى الفئة الثانية، لم يكن طريقه مفروشًا بالورود، بل مليءٌ بالتحديات التي شكلت منه صخرة دفاعية حقيقية في الدوري المصري الممتاز.
رغم احتلال غزل المحلة المركز الـ15 برصيد 11 نقطة بعد 13 جولة، فإن الجزار فرض نفسه على الساحة، خاصة بعد أدائه البطولي أمام الأهلي، حيث كان مكلفًا برقابة الوافد الجديد غراديشار، المهاجم الذي هز الشباك في أول 3 مباريات له بالدوري لكنه اصطدم بصخرة دفاعية جديد، لم يسمح له بالمرور.
لكن خلف هذه الصلابة قصة مليئة بالصعوبات، لم تكن مجرد رحلة احتراف عادية، بل سلسلة من العقبات التي شكلت شخصية الجزار داخل الملعب.
البداية الصعبة
عمرو الجزار حكى بداياته الصعبة في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، قائلًا: "بدأت رحلتي في صفوف ناشئي الإسماعيلي، ثم انتقلت إلى القناة وبعدها مع النصر القاهري، حيث كان الكابتن محمد خلف هو المسؤول عني هناك وكان له دور كبير في تطوري، بعد ذلك قررت الانتقال إلى نادي العبور من أجل الحصول على فرصة لعب أكبر، وهناك تأثرت كثيرًا بالدكتور عطية السيد، الذي كان له دور كبير أيضًا في مسيرتي، ثم جاءت محطة غزل المحلة، حيث تمكنت من الصعود معهم إلى الدوري الممتاز".
وأضاف: "في الإسماعيلي، كنت أشعر أن هناك تمييزًا واضحًا، حيث كان طارق الوحش، رئيس قطاع الناشئين وقتها، يفضل لاعبي الإسماعيلية فقط، ولم يكن يمنح أبناء الشرقية الفرصة الكافية، لم أفهم السبب، لكنني شعرت أنني لن أحصل على فرصتي هناك، فقررت البحث عن مكان آخر أثبت فيه نفسي".
وتابع الجزار: "لكن المحطة التي أثرت فيّ بشكل كبير كانت النصر القاهري، حيث واجهت هناك أصعب الفترات في مسيرتي، كنت أسمع دائمًا أنني صغير في السن ولا يمكن الاعتماد عليّ، ومع ذلك لم أحصل على فرصة لإثبات نفسي".
وواصل: "عندما تعرضت للإصابة وأردت الرحيل، بدأ النادي في الترويج لفكرة أنني أعاني من إصابة مزمنة؛ ما جعل الأندية الأخرى تتردد في التعاقد معي، لم أفهم لماذا كانوا يحاولون عرقلتي بهذا الشكل، لكنني كنت مصممًا على تجاوز هذه الأزمة".
ضغوط نفسية
وأشار إلى أن الأمور معه لم تكن سهلة على الإطلاق، موضحًا: "تعرضت لضغوط نفسية هائلة، حتى أنهم أجبروني على التدريب منفردًا بعيدًا عن الفريق؛ ما جعلني أشعر بالعزلة، كنت صغيرًا وقتها، وكان لهذا الأمر تأثير كبير على حالتي الذهنية، لكنني لم أستسلم".
وواصل الجزار حديثه، قائلًا: "عندما انتقلت إلى العبور، كانت هذه بداية مرحلة جديدة بالنسبة لي، لعبت أول أربع مباريات بشكل جيد، وبدأت العروض تنهال عليّ، لكن النصر القاهري حاول إعادتي بأي شكل، وهو ما كنت أرفضه تمامًا".
واستطرد: "في شهر يناير، تلقيت عرضًا من نادي سيراميكا، لكنه لم يكتمل، ثم جاءت عروض من سموحة والاتحاد السكندري بنهاية الموسم، لكن الأمور المالية لم تكن مناسبة بالنسبة لنادي العبور، فلم تتم الصفقة، كان لا يزال لديّ عام في عقدي، وعندما ضغطت على الإدارة، وافقوا في النهاية على انتقالي إلى غزل المحلة، وهناك تمكنت من الصعود معهم إلى الدوري الممتاز".
مثله الأعلى في الدفاع
وعن مثله الأعلى في الدفاع، أوضح الجزار: "لكل لاعب قدوة يطمح إلى السير على خطاه، وبالنسبة لي، فإن أكثر ما يعجبني محليًا هو الثقة التي يمتلكها محمد عبد المنعم، مدافع الأهلي، أما عالميًّا، فأنا من أشد المعجبين بروبن دياز لاعب مانشستر سيتي، وأحب القيادة التي يتمتع بها الهولندي فيرجيل فان دايك، نجم ليفربول، فهو نموذج مثالي للمدافع القائد داخل الملعب".
لم يكن الطريق نحو القمة سهلًا، فقد امتلأت رحلة عمرو الجزار بالعقبات التي شكلت شخصيته داخل الملعب، لكنه كان دائمًا مؤمنًا بأن الاجتهاد والعمل الجاد سيؤتي ثماره في النهاية.
اليوم، أصبح الجزار أحد أبرز المدافعين الذين يُشار إليهم بالبنان في الدوري المصري، بعدما استطاع تحويل الألم إلى أمل، والمعاناة إلى نجاح.